Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 39-39)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي فمن تاب من بعد ظلمه بالسرقة . وظلمه مضاف إلى الفاعل أي : من بعد أن ظلم غيره بأخذ مال أو سرقة . قيل : أو مضاف إلى المفعول أي : من بعد أن ظلم نفسه . وفي جواز هذا الوجه نظر إذ يصير التقدير : من بعد أن ظلمه . ولو صرح بهذا لم يجز ، لأن فيه تعدي الفعل الرافع الضمير المتصل إلى الضمير المتصل المنصوب ، وذلك لا يجوز إلا في باب ظن ، وفقد ، وعدم . ومعنى يتوب عليه أي : يتجاوز عنه ويقبل توبته . وظاهر الآية أنه بمجرد التوبة لا يقبل إلا إن ضم إلى ذلك الإصلاح وهو التنصل من التبعات بردها إنْ أمكن ، وإلا بالاستحلال منها ، أو بإنفاقها في سبيل الله إن جهل صاحبها . والغفران والرحمة كناية عن سقوط العقوبة عنه في الآخرة . قرأ الجمهور على أن الحد لا يسقط بالتوبة . وقال عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق ، وهو أحد قولي الشافعي . وقال مجاهد : التوبة والإصلاح هي أن يقام عليه الحد . { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء } لما ذكر تعالى تصرفه في أحكام المحاربين وأحكام السرّاق ، ولم يحاب ما ذكر من العقوبات عليهم ، نبه على أن ذلك هو تصرف في ملكه ، وملكه لا معقب لحكمه ، فيعذب من يشاء عذابه وهم المخالفون لأمره ، ويغفر لمن يشاء وهم التائبون . والخطاب في ألم تعلم قيل : للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لكل مكلف ، وقيل : للمجترىء على السرقة وغيرها من المحظورات . فالمعنى : ألم تعلم أنّك عاجز عن الخروج عن ملكي ، هارباً مني ومن عذابي ، فلم اجترأت على ما منعتك منه ؟ وأبعد من ذهب أنه خطاب اليهود كانوا بحضرة الرسول ، والمعنى : ألم تعلموا أنه له ملك السموات والأرض ، لا قرابة ولا نسب بينه وبين أحد حتى يحابيه ، ويترك القائلين نحن أبناء الله وأحباؤه . قال الزمخشري : من يشاء من يجب في الحكم تعذيبه والمغفرة له من المصرّين والتائبين انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال . وقد يسقط حد الحربي إذا سرق بالتوبة ليكون أدعى له إلى الإسلام وأبعد من التنفير عنه ، ولا نسقطه عن المسلم لأن في إقامته الصلاح للمؤمنين والحياة { ولكم في القصاص حياة } [ البقرة : 179 ] وقال ابن عباس والضحاك : يعذب من يشاء ، أي من مات على كفره ، ويغفر لمن يشاء ممن تاب عن كفره . وقيل : ذلك في الدنيا ، يعذب من يشاء في الدنيا على معصيته بالقتل والخسف والسبي والأسر وإذهاب المال والجدب والنفي والخزي والجزية وغير ذلك ، ويغفر لمن يشاء منهم في الدنيا بالتوبة عليه من كفره ومعصيته فينقذه من الهلكة وينجيه من العقوبة . { والله على كل شيء قدير } كثيراً ما يعقب هذه الجملة ما دل على التصرّف التام ، والملك والخلق والاختراع ، وهي في غاية المناسبة عقيب ما ذكروه من ذلك قوله تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } [ المائدة : 17 ] .