Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-28)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه السورة مكية . ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة ، إذ في آخر تلك : { فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم } [ الذاريات : 59 ] ، وقال هنا : { إن عذاب ربك لواقع } . الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال . قيل : وهو الذي كلم الله عليه موسى ، عليه الصلاة والسلام . والكتاب المسطور : القرآن ، أو المنتسخ من اللوح المحفوظ ، أو التوراة ، أو هي الإنجيل والزبور ، أو الكتاب الذي فيه أعمال الخلق ، أو الصحف التي تعطى يوم القيامة بالإيمان والشمائل ، أقوال آخرها للفراء ، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعيين ، إنما تورد على الاحتمال . وقرأ أبو السمال : في رِق ، بكسر الراء ، { منشور } : أي مبسوط . وقيل : مفتوح لا ختم عليه . وقيل : منشور لائح . وعن ابن عباس : منشور ما بين المشرق والمغرب . { والبيت المعمور } ، قال علي وابن عباس وعكرمة : هو بيت في السماء مسامت الكعبة يقال له الضراح ، والضريح أيضاً ، وهو الذي ذكر في حديث الإسراء ، قال جبريل : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم . وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : في كل سماء بيت معمور ، وفي كل أرض كذلك . وسأل ابن الكوا علياً ، رضي الله تعالى عنه فقال : بيت فوق سبع سموات تحت العرش يقال له الضراح . وقال الحسن : البيت المعمور : الكعبة ، يعمره الله كل سنة بستمائة ألف ، فإن عجز من الناس أتمه الله بالملائكة . { والسقف المرفوع } : السماء ، قال ابن عباس : هو العرش ، وهو سقف الجنة . { والبحر المسجور } ، قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش : هو البحر الموقد ناراً . وروي أن البحر هو جهنم . وقال قتادة : البحر المسجور : المملوء ، وهذا معروف من اللغة ، ورجحه الطبري بوجود ماء البحر كذلك ، ولا ينافي ما قاله مجاهد ، لأن سجرت التنور معناه : ملأته بما يحترق . وقال ابن عباس : المسجور : الذي ذهب ماؤه . وروى ذو الرمة الشاعر ، عن ابن عباس قال : خرجت أمة لتستقي ، فقالت : إن الحوض مسجور : أي فارغ ، وليس لذي الرمة حديث إلا هذا ، فيكون من الأضداد . ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة . وقال ابن عباس أيضاً : المسجور : المحبوس ، ومنه ساجور الكلب : وهي القلادة من عود أو حديد تمسكه ، ولولا أن البحر يمسك ، لفاض على الأرض . وقال الربيع : المسجور : المختلط العذب بالملح . وقيل : المفجور ، ويدل عليه : { وإذا البحار فجرت } [ الإنفطار : 3 ] . والجمهور : على أن البحر المقسم به هو بحر الدنيا ، ويؤيده : { وإذا البحار سجرت } [ التكوير : 6 ] . وعن علي وابن عمر : أنه في السماء تحت العرش فيه ماء غليظ يقال له بحر الحياة ، يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً ، فينبتون في قبورهم . وقال قتيبة بن سعيد : هو جهنم ، وسماها بحراً لسعتها وتموجها . كما جاء في الفرس : وإن وجدناه لبحراً . قيل : ويحتمل أن تكون الجملة في القسم بالطور والبحر والبيت ، لكونها أماكن خلوة مع الله تعالى ، خاطب منها ربهم رسله . فالطور ، قال فيه موسى : { أرني أنظر أليك } [ الأعراف : 143 ] ، والبيت المعمور لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والبحر المسجور ليونس ، قال : { لا إله إلا أنت سبحانك } [ الأَنبياء : 87 ] ، فشرفت هذه الأماكن بهذه الأسباب . والقسم بكتاب مسطور ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان لهم مع الله في هذه الأماكن كلام . واقترانه بالطور دل على ذلك . والقسم بالسقف المرفوع لبيان رفعة البيت المعمور . انتهى . ونكر وكتاب ، لأنه شامل لكل كتاب أنزله الله شمول البدل ، ويحتمل أن يكون شمول العموم ، كقوله : { علمت نفس ما أحضرت } [ التكوير : 14 ] . وكونه في رق ، يدل على ثبوته ، وأنه لا يتخطى الرؤوس . ووصفه بمنشور يدل على وضوحه ، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه ، والمنشور يعلم ما فيه ، ولا يمنع من مطالعة ما تضمنه ؛ والواو الأولى واو القسم ، وما بعدها للعطف . والجملة المقسم عليها هي قوله : { إن عذاب ربك لواقع } . وفي إضافة العذاب لقوله : { ربك } لطيفة ، إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد . فبالإضافة إلى الرب ، وإضافته لكاف الخطاب أمان له صلى الله عليه وسلم ؛ وإن العذاب لواقع هو بمن كذابه ، ولواقع على الشدة ، وهو أدل عليها من لكائن . ألا ترى إلى قوله : { إذا وقعت الواقعة } [ الواقعة : 1 ] ، وقوله : { وهو واقع بهم } [ الشورى : 22 ] ، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به ؟ وعن جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب : { والطور } إلى { إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع } ، فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب . وقرأ زيد بن علي : واقع بغير لام . قال قتادة : يريد عذاب الآخرة للكفار ، أي لواقع بالكفار . ومن غريب ما يحكى أن شخصاً رأى في النوم في كفه مكتوباً خمس واوات ، فعبر له بخير ، فسأل ابن سيرين ، فقال : تهيأ لما لا يسر ، فقال له : من أين أخذت هذا ؟ فقال : من قوله تعالى : { والطور } إلى { إن عذاب ربك لواقع } ، فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص . وانتصب يوم بدافع ، قاله الحوفي ، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع ، ولم يذكر دليل المنع . وقيل : هو منصوب بقوله : { لواقع } ، وينبغي أن يكون { ماله من دافع } على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول . قال ابن عباس : { تمور } : تضطرب . وقال أيضاً : تشقق . وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض . وقال مجاهد : تدور . { وتسير الجبال سيراً } ، هذا في أول الأمر ، ثم تنسف حتى تصير آخراً { كالعهن المنفوش } [ القارعة : 5 ] . { فويل } : عطف على جملة تتضمن ربط المعنى وتأكيده ، والخوض : التخبط في الباطل ، وغلب استعماله في الاندفاع في الباطل . { يوم يدعون } ، وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إلى أعناقهم ، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزجاً في أقفيتهم . وقرأ علي وأبو رجاء والسلمي وزيد بن علي : يدعون ، بسكون الدال وفتح العين : من الدعاء ، أي يقال لهم : هلموا إلى النار ، وادخلوها { دعاً } : مدعوعين ، يقال لهم : { هذه النار } . لما قيل لهم ذلك ، وقفوا بعد ذلك على الجهتين اللتين يمكن دخول الشك في أنها النار ، وهي : إما أن يكون سحر يلبس ذات المرئي ، وإما أن يكون في نظر الناظر اختلال ، فأمرهم بصليها على جهة التقريع . ثم قيل لهم على قطع رجائهم : { فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم } : عذابكم حتم ، فسواء صبركم وجزعكم لا بد من جزاء أعمالكم ، قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : { أفسحر هذا } ، يعني كنتم تقولون للوحي : هذا سحر . { أفسحر هذا } ، يريد : أهذا المصداق أيضاً سحر ؟ ودخلت الفاء لهذا المعنى . { أم أنتم لا تبصرون } : كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ، يعني : أم أنتم عمي عن المخبر عنه ، كما كنتم عمياً عن الخبر ؟ وهذا تقريع وتهكم . فإن قلت : لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله : { إنما تجزون ما كنتم تعملون } ؟ قلت : لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة ، وبأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير . فأما الصبر على العذاب ، الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة ، فلا مزية له على الجزع . انتهى . وسحر : خبر مقدم ، وهذا : مبتدأ ، وسواء : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي الصبر والجزع . وقال أبو البقاء : خبر مبتدأ محذوف ، أي صبركم وتركه سواء . ولما ذكر حال الكفار ، ذكر حال المؤمنين ، ليقع الترهيب والترغيب ، وهو إخبار عن ما يؤول إليه حال المؤمنين ، أخبروا بذلك . ويجوز أن يكون من جملة القول للكفار ، إذ ذلك زيادة في غمهم وتنكيد لهم ، والأول أظهر . وقرأ الجمهور : فكهين ، نصباً على الحال ، والخبر في { جنات نعيم } . وقرأ خالد : بالرفع على أنه خبر إن ، وفي جنات متعلق به . ومن أجاز تعداد الخبر ، أجاز أن يكونا خبرين . { ووقاهم } معطوف على { في جنات } ، إذ المعنى : استقروا في جنات ، أو على { آتاهم } ، وما مصدرية ، أي فكهين بإيتائهم ربهم النعيم ووقايتهم عذاب الجحيم . وجوز أن تكون الواو في ووقاهم واو الحال ، ومن شرط قد في الماضي ، قال : هي هنا مضمرة ، أي وقد وقاهم . وقرأ أبو حيوة : ووقاهم ، بتشديد القاف . { كلوا واشربوا } على إضمار القول : أي يقال لهم : { هنيئاً } . قال الزمخشري : أكلاً وشرباً هنيئاً ، أو طعاماً وشراباً هنيئاً ، وهو الذي لا تنغيص فيه . ويجوز أن يكون مثله في قوله : @ هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت @@ أعني : صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل ، مرتفعاً به ما استحلت ، كما يرتفع بالفعل ، كأنه قيل : هنا عزة المستحل من أعراضنا . وكذلك معنى هنيئاً ههنا : هنأكم الأكل والشرب ، أو هنأكم ما كنتم تعملون ، أي جزاء ما كنتم تعملون ، والباء مزيدة كما في : { كفى بالله } ، والباء متعلقة بكلوا واشربوا ، إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب . انتهى . وتقدم لنا الكلام مشبعاً على { هنيئاً } في سورة النساء . وأما تجويزه زيادة الباء ، فليست زيادتها مقيسة في الفاعل ، إلا في فاعل كفى على خلاف فيها ؛ فتجويز زيادتها في الفاعل هنا لا يسوغ . وأما قوله : إن الباء تتعلق بكلوا واشربوا ، فلا يصح إلا على الأعمال ، فهي تتعلق بأحدهما . وانتصب { متكئين } على الحال . قال أبو البقاء : من الضمير في { كلوا } ، أو من الضمير في { ووقاهم } ، أو من الضمير في { آتاهم } ، أو من الضمير في { فاكهين } ، أو من الضمير في الظرف . انتهى . والظاهر أنه حال من الظرف ، وهو قوله : { في جنات } . وقرأ أبو السمال : على سرر ، بفتح الراء ، وهي لغة لكلب في المضعف ، فراراً من توالي ضمتين مع التضعيف . وقرأ عكرمة : { بحور عين } على الإضافة . والظاهر أن قوله : { والذين آمنوا } مبتدأ ، وخبره { ألحقنا } . وأجاز أبو البقاء أن يكون { والذين } في موضع نصب على تقدير : وأكرمنا الذين آمنوا . ومعنى الآية ، قال الجمهور وابن عباس وابن جبير وغيرهما : أن المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يكونون في مراتب آبائهم ، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال مثلهم كرامة لآبائهم . فبإيمان متعلق بقوله : { وأتبعناهم } [ القصص : 42 ] . وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها بعمله ليقر بها عينه " ثم قرأ الآية . وقال ابن عباس والضحاك : إن الله تعالى يلحق الأبناء الصغار ، وإن لم يبلغوا الإيمان بأحكام الآباء المؤمنين . انتهى . فيكون بإيمان متعلقاً بألحقنا ، أي ألحقنا بسبب الإيمان الآباء بهم ذرياتهم ، وهم الصغار الذين ماتوا ولم يبلغوا التكليف ، فهم في الجنة مع آبائهم ، وإذا كان أبناء الكفار ، الذين لم يبلغوا حدّ التكليف في الجنة ، كما ثبت في صحيح البخاري ، فأحرى أولاد المؤمنين . وقال الحسن : الآية في الكبار من الذرية . وقال منذر بن سعيد هي في الصغار لا في الكبار . وعن ابن عباس أيضاً : الذين آمنوا : المهاجرون والأنصار ، والذرية : التابعون . وعنه أيضاً : إن كان الآباء أرفع درجة ، رفع الله الأبناء إليهم ، فالآباء داخلون في اسم الذرية . وقال النخعي : المعنى : أعطيناهم أجورهم من غير نقص ، وجعلنا ذريتهم كذلك . وقال الزمخشري : { والذين آمنوا } ، معطوف على حور عين . أي قرناهم بالحور العين ؛ وبالذين آمنوا : أي بالرفقاء والجلساء منهم ، كقوله تعالى : { إخواناً على سرر متقابلين } [ الحجر : 47 ] ، فيتمتعون تارة بملاعبة الحور ، وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين ، وأتبعناهم ذرياتهم . ثم ذكر حديث ابن عباس ، ثم قال : فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم ، وبمزاوجة الحور العين ، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين ، وباجتماع أولادهم بهم ونسلهم . ثم قال : بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم : أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل ، وهو إيمان الآباء ، ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم ، وإن كانوا لا يستأهلونها ، تفضلاً عليهم وعلى آبائهم ، لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم . فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟ قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة . ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل ، كأنه قال : بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم . انتهى . ولا يتخيل أحد أن { والذين } معطوف على { بحور عين } غير هذا الرجل ، وهو تخيل أعجميّ مخالف لفهم العربي القح ابن عباس وغيره . والأحسن من هذه الأقوال قول ابن عباس ، ويعضده الحديث الذي رواه ، لأن الآيات كلها في صفة إحسان الله تعالى إلى هل الجنة . وذكر من جملة إحسانه أنه يرعى المحسن في المسيء . ولفظة { ألحقنا } تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال . وقرأ أبو عمرو : وأتبعناهم ؛ وباقي السبعة : واتبعتهم ؛ وأبو عمرو : وذرياتهم جمعاً نصباً ؛ وابن عامر : جمعاً رفعاً ؛ وباقي السبعة : مفرداً ؛ وابن جبير : وأتبعناهم ذريتهم ، بالمدّ والهمز . وقرأ الجمهور : { ألتناهم } ، بفتح اللام ، من ألات ؛ والحسن وابن كثير : بكسرها ؛ وابن هرمز : آلتناهم ، بالمد من آلت ، على وزن أفعل ؛ وابن مسعود وأبي : لتناهم من لات ، وهي قراءة طلحة والأعمش ؛ ورويت عن شبل وابن كثير ، وعن طلحة والأعمش أيضاً : لتناهم بفتح اللام . قال سهل : لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال ، وأنكر أيضاً آلتناهم بالمد ، وقال : لا يروى عن أحد ، ولا يدل عليها تفسير ولا عربية ، وليس كما ذكر ، بل قد نقل أهل اللغة آلت بالمد ، كما قرأ ابن هرمز . وقرىء : وما ولتناهم ، ذكره ابن هارون . قال ابن خالويه : فيكون هنا الحرف من لات يليت ، وولت يلت ، وألت يألت ، وألات يليت ، ويؤلت ، وكلها بمعنى نقص . ويقال : ألت بمعنى غلظ . وقام رجل إلى عمر رضي الله عنه فوعظه ، فقال رجل : لا تألت أمير المؤمنين ، أي لا تغلظ عليه . والظاهر أن الضمير في ألتناهم عائد على المؤمنين . والمعنى : أنه تعالى يلحق المقصر بالمحسن ، ولا ينقص المحسن من أجر شيئاً ، وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير والجمهور . وقال أبي زيد : الضمير عائد على الأبناء . { من عملهم } : أي الحسن والقبيح ، ويحسن هذا الاحتمال قوله : { كل امرىء بما كسب رهين } : أي مرتهن وفيه ، { وأمددناهم } : أي يسرنا لهم شيئاً فشيئاً حتى يكر ولا ينقطع . { يتنازعون فيها } أي يتعاطون ، قال الأخطل : @ نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري @@ أو يتنازعون : يتجاذبون تجاذب ملاعبة ، إذ أهل الدنيا لهم في ذلك لذة ، وكذلك في الجنة . وقرأ الجمهور : { لا لغو فيها ولا تأثيم } ، برفعهما ؛ وابن كثير ، وأبو عمرو : بفتحهما ، واللغو : السقط من الكلام ، كما يجري بين شراب الخمر في الدنيا . والتأثيم : الإثم الذي يلحق شارب الخمر في الدنيا . { غلمان لهم } : أي مماليك . { مكنون } : أي في الصدف ، لم تنله الأيدي ، قاله ابن جبير ، وهو إذ ذاك رطب ، فهو أحسن وأصفى . ويجوز أن يراد بمكنون : مخزون ، لأنه لا يخزن إلا الغالي الثمن . والظاهر أن التساؤل هو في الجنة ، إذ هذه كلها معاطيف بعضها على بعض ، أي يتساءلون عن أحوالهم وما نال كل واحد منهم ؛ ويدل عليه { فمن الله علينا } : أي بهذا النعيم الذي نحن فيه . وقال ابن عباس : تساؤلهم إذا بعثوا في النفخة الثانية ، حكاه الطبري عنه . { مشفقين } : رقيقي القلوب ، خاشعين لله . وقرأ أبو حيوة : ووقانا بتشديد القاف ، والسموم هنا النار ؛ وقال الحسن : اسم من أسماء جهنم . { من قبل } : أي من قبل لقاء الله والمصير إليه . { ندعوه } نعبده ونسأله الوقاية من عذابه ، { إنه هو البر } : المحسن ، { الرحيم } : الكثير الرحمة ، إذا عبد أثاب ، وإذا سئل أجاب . أو { ندعوه } من الدعاء . وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي : أنه بفتح الهمزة ، أي لأنه ، وباقي السبعة : إنه بكسر الهمزة ، وهي قراءة الأعرج وجماعة ، وفيها معنى التعليل .