Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 60-78)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هل جزاء الإحسان } في العمل ، { إلا الإحسان } في الثواب ؟ وقيل : هل جزاء التوحيد إلا الجنة ؟ وقرأ ابن أبي إسحاق : إلا الحسان يعني : بالحسان الحور العين . { ومن دونهما } : أي من دون تينك الجنتين في المنزلة والقدر ، { جنتان } لأصحاب اليمين ، والأوليان هما للسابقين ، قاله ابن زيد والأكثرون . وقال الحسن : الأوليان للسابقين ، والأخريان للتابعين . وقال ابن عباس : { ومن دونهما } في القرب للمنعمين ، والمؤخرتا الذكر أفضل من الأوليين . يدل على ذلك أنه وصف عيني هاتين بالنضخ ، وتينك بالجري فقط ؛ وهاتين بالدهمة من شدة النعمة ، وتينك بالأفنان ، وكل جنة ذات أفنان . ورجح الزمخشري هذا القول فقال : للمقربين جنتان من دونهم من أصحاب اليمين ادهامتا من شدة الخضرة ، ورجح غيره القول الأول بذكر جري العينين والنضخ دون الجري ، وبقوله فيهما : { من كل فاكهة } ، وفي المتأخرتين : { فيهما فاكهة } ، وبالاتكاء على ما بطائنه من ديباج وهو الفرش ، وفي المتأخرتين الاتكاء على الرفرف ، وهو كسر الخباء ، والفرش المعدة للاتكاء أفضل ، والعبقري : الوشي ، والديباج أعلى منه ، والمشبه بالياقوت والمرجان أفضل في الوصف من خيرات حسان ، والظاهر النضخ بالماء ، وقال ابن جبير : بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة ، كما ينضخ رش المطر . وعنه أيضاً بأنواع الفواكه والماء . { ونخل ورمان } عطف على فاكهة ، فاقتضى العطف أن لا يندرجا في الفاكهة ، قاله بعضهم . وقال يونس بن حبيب وغيره : كررهما وهما من أفضل الفاكهة تشريفاً لهما وإشارة بهما ، كما قال تعالى : { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } [ البقرة : 98 ] . وقيل : لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه . { فيهن خيرات } ، جمع خيرة : وصف بني على فعلة من الخير ، كما بنوا من الشر فقالوا : شرة . وقيل : مخفف من خيرة ، وبه قرأ بكر بن حبيب وأبو عثمان النهدي وابن مقسم ، أي بشدّ الياء . وروي عن أبي عمرو بفتح الياء ، كأنه جمع خايرة ، جمع على فعلة ، وفسر الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سلمة ذلك فقال : " خيرات الأخلاق حسان الوجوه " { حور مقصورات } : أي قصرن في أماكنهن ، والنساء تمدح بذلك ، إذ ملازمتهن البيوت تدل على صيانتهن ، كما قال قيس بن الأسلت : @ وتكسل عن جاراتها فيزرنها وتغفل عن أبياتهن فتعذر @@ قال الحسن : لسن بطوافات في الطرق ، وخيام الجنة : بيوت اللؤلؤ . وقال عمر بن الخطاب : هي در مجوف ، ورواه عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم . { لم يطمثهن إنس قبلهم } : أي قبل أصحاب الجنتين ، ودل عليهم ذكر الجنتين . { متكئين } ، قال الزمخشري : نصب على الاختصاص . { على رفرف } ، قال ابن عباس وغيره : فضول المجلس والبسط . وقال ابن جبير : رياض الجنة من رف البيت تنعم وحسن . وقال ابن عيينة : الزرابي . وقال الحسن وابن كيسان : المرافق . وقرأ الفراء وابن قتيبة : المجالس . وعبقري ، قال الحسن : بسط حسان فيها صور وغير ذلك يصنع بعبقر . وقال ابن عباس : الزرابي . وقال مجاهد : الديباج الغليظ . وقال ابن زيد : الطنافس . قال الفراء : الثخان منها . وقرأ الجمهور : { على رفرف } ، ووصف بالجمع لأنه اسم جنس ، الواحد منها رفرفة ، واسم الجنس يجوز فيه أن يفرد نعته وأن يجمع لقوله : { والنخل باسقات } [ ق : 10 ] ، وحسن جمعه هنا مقابلته لحسان الذي هو فاصلة . وقال صاحب اللوامح ، وقرأ عثمان بن عفان ، ونصر بن عاصم ، والجحدري ، ومالك بن دينار ، وابن محيصن ، وزهير العرقبي وغيره : رفارف جمع لا ينصرف ، خضر بسكون الضاد ، وعباقري بكسر القاف وفتح الياء مشددة ؛ وعنهم أيضاً : ضم الضاد ؛ وعنهم أيضاً : فتح القاف . قال : فأما منع الصرف من عباقري ، وهي الثياب المنسوبة إلى عبقر ، وهو موضع تجلب منه الثياب على قديم الأزمان ، فإن لم يكن بمجاورتها ، وإلا فلا يكون يمنع التصرف من ياءي النسب وجه إلا في ضرورة الشعر . انتهى . وقال ابن خالويه : على رفارف خضر ، وعباقري النبي صلى الله عليه وسلم والجحدري وابن محيصن . وقد روي عمن ذكرنا على رفارف خضر وعباقري بالصرف ، وكذلك روي عن مالك بن دينار . وقرأ أبو محمد المروزي ، وكان نحوياً : على رفارف خضار ، يعني : على وزن فعال . وقال صاحب الكامل : رفارف جمع ، عن ابن مصرف وابن مقسم وابن محيصن ، واختاره شبل وأبو حيوة والجحدري والزعفراني ، وهو الاختيار لقوله : { خضر } ، وعباقري بالجمع وبكسر القاف من غير تنوين ، ابن مقسم وابن محيصن ، وروي عنهما التنوين . وقال ابن عطية ، وقرأ زهير العرقبي : رفارف بالجمع والصرف ، وعنه : عباقري بفتح القاف والياء ، على أن اسم الموضع عباقر بفتح القاف ، والصحيح في اسم الموضع عبقر . انتهى . وقال الزمخشري ، وروى أبو حاتم : عباقري بفتح القاف ومنع الصرف ، وهذا لا وجه لصحته . انتهى . وقد يقال : لما منع الصرف رفارف ، شاكله في عباقري ، كما قد ينون ما لا ينصرف للمشاكلة ، يمنع من الصرف للمشاكلة . وقرأ ابن هرمز : خضر بضم الضاد . قال صاحب اللوامح : وهي لغة قليلة . انتهى ، ومنه قول طرفة : @ أيها الفتيان في مجلسنا جردوا منها وراداً وشقر @@ وقال آخر : @ وما انتميت إلى خور ولا كسف ولا لئام غداة الروع أوزاع @@ فشقر جمع أشقر ، وكسف جمع أكسف . وقرأ الجمهور : { ذي الجلال } : صفة لربك ؛ وابن عامر وأهل الشام : ذو صفة للاسم ، وفي حرف . أبي عبد الله وأبيّ : ذي الجلال ، كقراءتهما في الموضع الأول ، والمراد هنا بالاسم المسمى . وقيل : اسم مقحم ، كالوجه في { ويبقى وجه ربك } ، ويدل عليه إسناد { تبارك } لغير الاسم في مواضع ، كقوله : { تبارك الله أَحسن الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] ، { تبارك الذي إن شاء } [ الفرقان : 10 ] { تبارك الذي بيده الملك } [ الملك : 1 ] . وقد صح الإسناد إلى الاسم لأنه بمعنى العلو ، فإذا علا الاسم ، فما ظنك بالمسمى ؟ ولما ختم تعالى نعم الدنيا بقوله : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ، ختم نعم الآخرة بقوله : { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } وناسب هنالك ذكر البقاء والديمومة له تعالى ، إذ ذكر فناء العالم ؛ وناسب هنا ذكر ما اشتق من البركة ، وهي النمو والزيادة ، إذ جاء ذلك عقب ما امتن به على المؤمنين ، وما آتاهم في دار كرامته من الخير وزيادته وديمومته ، ويا ذا الجلال والإكرام من الصفات التي جاء في الحديث أن يدعى الله بها ، قال صلى الله عليه وسلم : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " .