Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 41-74)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اليحموم : الأسود البهيم . الحنث ، قال الخطابي : هو في كلام العرب العدل الثقيل شبه الإثم به . الهيم : جمع أهيم وهيماء ، والهيام داء معطش يصيب الإبل فتشرب حتى تموت ، أو تسقم سقماً شديداً ، قال : @ فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها @@ والهيم جمع هيام : وهو الرمل بفتح الهاء , وهو المشهور . وقال ثعلب : بضمها , قال : هو الرمل الذي لا يتماسك ، فبالفتح كسحاب وسحب ، ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أهيم من قلب ضمته كسرة لتصح الياء ، أو بالضم يكون قد جمع على فعل ، كقراد وقرد ، ثم سكنت ضمة الراء فصار فعلاً ، ثم فعل به ما فعل ببيض . أمنى الرجل النطفة ومناها : قذفها من إحليله . المزن : السحاب . قال الشاعر : @ فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل أبقالها @@ أوريت النار من الزناد : قدحتها ، ووري الزند نفسه ، والزناد حجرين أو من حجر وحديدة ، ومن شجر ، لا سيما في الشجر الرخو كالمرخ والعفار والكلح ، والعرب تقدح بعودين ، تحك أحدهما بالأخر ، ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة ، شبهوهما بالعجل والطروقة . أقوى الرجل : دخل في الأرض ، القوا ، وهي . القفر ، كأصحر دخل في الصحراء ، وأقوى من أقام أياماً لم يأكل شيئاً ، وأقوت الدار : صارت قفراء . قال الشاعر : @ يا دارمية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد @@ أدهن : لاين وهاود فيما لا يحمل عند المدهن ، وقال الشاعر : @ الحزم والقوة خير من السادهان والفهه والمهاع @@ الحلقوم : مجرى الطعام . الروح : الاستراحة . الريحان : تقدم في سورة الرحمن . { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال , في سموم وحميم , وظل من يحموم , لا بارد ولا كريم , إنهم كانوا قبل ذلك مترفين , وكانوا يصرون على الحنث العظيم , وكانوا يقولون , أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون , أو آباؤنا الأولون , قل إن الأولين والآخرين , لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم , ثم إنكم أيها الضالون المكذبون , لآكلون من شجر من زقوم , فمالـئون منها البطون , فشاربون عليه من الحميم , فشاربون شرب الهيم , هذا نزلهم يوم الدين , نحن خلقناكم فلولا تصدقون , أفرأيتم ما تمنون , أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون , نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين , على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون , ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون , أفرأيتم ما تحرثون , أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون , لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون , إنا لمغرمون , بل نحن محرومون , أفرأيتم الماء الذي تشربون , أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون , لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون , أفرأيتم النار التي تورون , أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون , نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين , فسبح باسم ربك العظيم } . لما ذكر حال السابقين ، وأتبعهم بأصحاب الميمنة ، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال : { وأصحاب الشمال } ، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة ، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم . { في سموم } : في أشدّ حر ، { وحميم } : ماء شديد السخونة . { وظل من يحموم } ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور : دخان . وقال ابن عباس أيضاً : هو سرادق النار المحيط بأهلها ، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم . وقال ابن كيسان : اليحموم من أسماء جهنم . وقال ابن زيد أيضاً وابن بريدة : هو جبل في النار أسود ، يفزع أهل النار إلى ذراه ، فيجدونه أشد شيء وأمر . { لا بارد ولا كريم } : صفتان للظل نفيتا ، سمي ظلاً وإن كان ليس كالظلال ، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه . { ولا كريم } : تتميم لنفي صفة المدح فيه ، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر ، أو نفي لكرامة من يستروح إليه . ونسب إليه مجازاً ، والمراد هم ، أي يستظلون إليه وهم مهانون . وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة ، وبدىء أولاً بالوصف الأصلي الذي هو الظل ، وهو كونه من يحموم ، فهو بعض اليحموم . ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل ، وهو كونه لا بارداً ولا كريماً . وقد يجوز أن يكون { لا بارد ولا كريم } صفة ليحموم ، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفاً بذلك . وقرأ الجمهور : { لا بارد ولا كريم } بجرهما ؛ وابن عبلة : برفعهما : أي لا هو بارد ولا كريم ، على حد قوله : @ فـأبيـت لا حـرج ولا محـروم @@ أي لا أنا حرج . { إنهم كانوا قبل ذلك } : أي في الدنيا ، { مترفين } : فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا ، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة . { وكانوا يصرون } : أي يداومون ويواظبون ، { على الحنث العظيم } ، قال قتادة والضحاك وابن زيد : الشرك ، وهو الظاهر . وقيل : ما تضمنه قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } [ الأنعام : 109 ، النحل : 38 ، النور : 53 ] الآية من التكذيب بالبعث . ويبعده : { وكانوا يقولون } ، فإنه معطوف على ما قبله ، والعطف يقتضي التغاير ، فالحنث العظيم : الشرك . فقولهم : { أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون , أو آباؤنا الأولون } : تقدم الكلام عليه في والصافات ، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال : فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في { لمبعوثون } من غير تأكيد بنحن ؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة ، كما حسن في قوله : { ما أشركنا ولا آباؤنا } [ الأنعام : 148 ] الفصل لا المؤكدة للنفي . انتهى . ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلاً في نحو : { أفلم يسيروا } [ يوسف : 109 ، الحج : 46 ، غافر : 42 ] ولا اسماً في نحو : { أو آباؤنا } ، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما ، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف . لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت . ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم ببعث العالم ، أولهم وآخرهم ، للحساب ، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب . والميقات : ما وقت به الشيء ، أي حد ، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم ، والإضافة بمعنى من ، كخاتم حديد . { ثم إنكم } : خطاب لكفار قريش ، { أيها الضالون } عن الهدى ، { المكذبون } للبعث . وخطاب أيضاً لمن جرى مجراهم في ذلك . { لآكلون من شجر من زقوم } : من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض ؛ والثانية ، إن كان من زقوم بدلاً ، فمن تحتمل الوجهين ، وإن لم تكن بدلاً ، فهي لبيان الجنس ، أي من شجر الذي هو زقوم . وقرأ الجمهور : من شجر ؛ وعبد الله : من شجرة . { فمالئون منها } : الضمير في منها عائد على شجر ، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر ، وعلى قراءة عبد الله ، فهو واضح . { فشاربون عليه } ، قال الزمخشري : ذكر على لفظ الشجر ، كما أنث على المعنى في منها . قال : ومن قرأ : من شجرة من زقوم ، فقد جعل الضميرين للشجرة ، وإنما ذكر الثانى على تأويل الزقوم لأنه يفسرها ، وهي في معناه . وقال ابن عطية : والضمير في عليه عائد على المأكول ، أو على الأكل . انتهى . فلم يجعله عائداً على شجر . وقرأ نافع وعاصم وحمزة : { شرب } بضم الشين ، وهو مصدر . وقيل : اسم لما يشرب ؛ ومجاهد وأبو عثمان النهدي : بكسرها ، وهو بمعنى المشروب ، اسم لا مصدر ، كالطحن والرعي ؛ والأعرج وابن المسيب وشبيب بن الحبحاب ومالك بن دينار وابن جريج وباقي السبعة : بفتحها ، وهو مصدر مقيس . والهيم ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك : جمع أهيم ، وهو الجمل الذي أصابه الهيام ، وقد فسرناه في المفردات . وقيل : جمع هيماء . وقيل : جمع هائم وهائمة ، وجمع فاعل على فعل شاذ ، كباذل وبذل ، وعائد وعوذ ؛ والهائم أيضاً من الهيام . ألا ترى أن الجمل أذا أصابه ذلك هام على وجهه وذهب ؟ وقال ابن عباس وسفيان : الهيم : الرمال التى لا تروى من الماء ، وتقدم الخلاف في مفرده ، أهو الهيام بفتح الهاء ، أم بالضم ؟ والمعنى : أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي كالمهل ، فإذا ملأوا منه البطون ، سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاهم ، فيشربونه شرب الهيم ، قاله الزمخشري . وقال أيضاً : فإن قلت : كيف صح عطف الشاربين على الشاربين ، وهما لذوات متفقة وصفتان متفقتان ، فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟ قلت : ليستا بمتفقتين من حيث أن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة ، وقطع الأمعاء أمر عجيب ، وشربهم له على ذلك ، كما تشرب الهيم الماء ، أمر عجيب أيضاً ؛ فكانتا صفتين مختلفتين . انتهى . والفاء تقتضي التعقيب في الشربين ، وأنهم أولاً لما عطشوا شربوا من الحميم ظناً أنه يسكن عطشهم ، فازداد العطش بحرارة الحميم ، فشربوا بعده شرباً لا يقع به ريّ أبداً ، وهو مثل شرب الهيم ، فهما شربان من الحميم لا شرب واحد ، اختلفت صفتاه فعطف ، والمقصود الصفة . والمشروب منه في { فشاربون شرب الهيم } محذوف لفهم المعنى تقديره : فشاربون منه شرب الهيم . وقرأ الجمهور : { نزلهم } بضم الزاي . وقرأ ابن محيصن وخارجة ، عن نافع ونعيم ومحبوب وأبو زيد وهارون وعصمة وعباس ، كلهم عن أبي عمرو : بالسكون ، وهو أول ما يأكله الضيف ، وفيه تهكم بالكفار ، وقال الشاعر : @ وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا @@ { يوم الدين } : أي يوم الجزاء . { نحن خلقناكم فلولا تصدقون } بالإعادة وتقرون بها ، كما أقررتم بالنشأة الأولى ، وهي خلقهم . ثم قال : { فلولا تصدقون } بالإعادة وتقرون بها كما أقررتم ، فهو حض على التصديق . { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } [ الزخرف : 87 ] أو : { فلولا تصدقون به } ، ثم حض على التصديق على وجه تقريعهم بسياق الحجج الموجبة للتصديق ، وكان كافراً ، قال : ولم أصدق ؟ فقيل له : أفرأيت كذا مما الإنسان مفطور على الإقرار به ؟ فقال : { أفرأيتم ما تمنون } ، وهو المني الذي يخرج من الإنسان ، إذ ليس له في خلقه عمل ولا إرادة ولا قدرة . وقال الزمخشري : { تخلقونه } : تقدرونه وتصورونه . انتهى ، فحمل الخلق على التقدير والتصوير ، لا على الإنشاء . ويجوز في { أأنتم } أن يكون مبتدأ ، وخبره { تخلقونه } ، والأولى أن يكون فاعلاً بفعل محذوف ، كأنه قال : أتخلقونه ؟ فلما حذف الفعل ، انفصل الضمير وجاء { أفرأيتم } هنا مصرحاً بمفعولها الأول . ومجيء جملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني على ما هو المقرر فيها ، إذا كانت بمعنى أخبرني . وجاء بعد أم جملة فقيل : أم منقطعة ، وليست المعادلة للهمزة ، وذلك في أربعة مواضع هنا ، ليكون ذلك على استفهامين ، فجواب الأول لا ، وجواب الثاني نعم ، فتقدر أم على هذا ، بل أنحن الخالقون فجوابه نعم . وقال قوم من النحاة : أم هنا معادلة للهمزة ، وكان ما جاء من الخبر بعد نحن جيء به على سبيل التوكيد ، إذ لو قال : أم نحن ، لوقع الاكتفاء به دون ذكر الخبر . ونظير ذلك جواب من قال : من في الدار ؟ زيد في الدار ، أو زيد فيها ، ولو اقتصر في الجواب على زيد لاكتفى به . وقرأ الجمهور : { ما تمنون } بضم التاء ؛ وابن عباس وأبو السمال : بفتحها . والجمهور : { قدرنا } ، بشد الدال ؛ وابن كثير : يخفها ، أي قضينا وأثبتنا ، أو رتبنا في التقدم والتأخر ، فليس موت العالم دفعة واحدة ، بل بترتيب لا يتعدى . ويقال : سبقته على الشيء : أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه ، والمعنى : { وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم } : أي نحن قادرون على ذلك ، لا تغلبوننا عليه ، إن أردنا ذلك . وقال الطبري : المعنى نحن قادرون ، { قدرنا بينكم الموت } ، { على أن نبدل أمثالكم } : أي بموت طائفة ونبدلها بطائفة ، هكذا قرناً بعد قرن . انتهى . فعلى أن نبدل متعلق بقوله : { نحن قدرنا } ، وعلى القول الأول متعلق { بمسبوقين } ، أي لا نسبق . { على أن نبدل أمثالكم } ، وأمثالكم جمع مثل ، { وننشئكم فيما لا تعلمون } من الصفات : أي نحن قادرون على أن نعدمكم وننشىء أمثالكم ، وعلى تغيير أوصافكم مما لا يحيط به فكركم . وقال الحسن : من كونكم قردة وخنازير ، قال ذلك لأن الآية تنحو إلى الوعيد . ويجوز أن يكون { أمثالكم } جمع مثل بمعنى الصفة ، أي نحن قادرون على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليها خلقاً وخلقاً ، { وننشئكم } في صفات لا تعلمونها . { ولقد علمتم النشأة الأولى } : أي علمتم أنه هو الذي أنشأكم ، أولاً أنشأنا إنساناً . وقيل : نشأة آدم ، وأنه خلق من طين ، ولا ينكرها أحد من ولده . { فلولا تذكرون } : حض على التذكير المؤدي إلى الإيمان والإقرار بالنشأة الآخرة . وقرأ الجمهور : تذكرون بشد الذال ؛ وطلحة يخففها وضم الكاف ، قالوا : وهذه الآية دالة على استعمال القياس والحض عليه . انتهى ، ولا تدل إلا على قياس الأولى ، لا على جميع أنواع القياس . { أفرأيتم ما تحرثون } : ما تذرونه في الأرض وتبذرونه ، { أأنتم تزرعونه } : أي زرعاً يتم وينبت حتى ينتفع به ، والحطام : اليابس المتفتت الذي لم يكن له حب ينتفع به . { فظلتم تفكهون } ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : تعجبون . وقال عكرمة : تلاومون . وقال الحسن : تندمون . وقال ابن زيد : تنفجعون ، وهذا كله تفسير باللازم . ومعنى تفكهون : تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة ، ورجل فكه : منبسط النفس غير مكترث بشيء ، وتفكه من أخوات تخرج وتحوب . وقرأ الجمهور : { فظلتم } ، بفتح الظاء ولام واحدة ؛ وأبو حيوة وأبو بكر في رواية القيكي عنه : بكسرها . كما قالوا : مست بفتح الميم وكسرها ، وحكاها الثوري عن ابن مسعود ، وجاءت عن الأعمش . وقرأ عبد الله والجحدري : فظللتم على الأصل ، بكسر اللام . وقرأ الجحدري أيضاً : بفتحها ، والمشهور ظللت بالكسر . وقرأ الجمهور : { تفكهون } ؛ وأبو حرام : بالنون بدل الهاء . قال ابن خالويه : تفكه : تعجب ، وتفكن : تندم . { إنا لمغرمون } ، قبله محذوف : أي يقولون . وقرأ الجمهور : إنا ؛ والأعمش والجحدري وأبو بكر : أئنا بهمزتين ، { لمغرمون } : أي معذبون من الغرام ، وهو أشد العذاب ، قال : @ إن يعذب يكن غراماً وإن يعط جزيلاً فإنه لا يبالي @@ أو لمحملون الغرم في النفقة ، إذ ذهب عنا غرم الرجل وأغرمته . { بل نحن محرومون } : محدودون ، لاحظ لنا في الخير . { الماء الذي تشربون } : هذا الوصف يغني عن وصفه بالعذاب . ألا ترى مقابله ، وهو الأجاج ؟ ودخلت اللام في { لجعلناه حطاماً } ، وسقطت في قوله : { جعلناه أجاجاً } ، وكلاهما فصيح . وطول الزمخشري في مسوغ ذلك ، وملخصه : أن الحرف إذا كان في مكان ، وعرف واشتهر في ذلك المكان ، جاز حذفه لشهرة أمره . فإن اللام علم لارتباط الجملة الثانية بالأولى ، فجاز حذفه استغناء بمعرفة السامع . وذكر في كلامه أن الثاني امتنع لامتناع الأول ، وليس كما ذكر ، إنما هذا قول ضعفاء المعربين . والذي ذكره سيبويه : أنها حرف لما كان سيقع لوقوع الأول . ويفسد قول أولئك الضعفاء قولهم : لو كان إنساناً لكان حيواناً ، فالحيوانية لا تمتنع لامتناع الإنسانية . ثم قال : ويجوز أن يقال : إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة ، وأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب ، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم ، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب . والظاهر أن { شجرتها } ، المراد منه الشجر الذي يقدح منه النار . وقيل : المراد بالشجرة نفس النار ، كأنه يقول : نوعها أو جنسها ، فاستعار الشجرة لذلك ، وهذا قول متكلف . { نحن جعلناها تذكرة } : أي لنار جهنم ، { ومتاعاً للمقوين } : أي النازلين الأرض القوا ، وهي القفر . وقيل : للمسافرين ، وهو قريب مما قبله ؛ وقول ابن زيد : الجائعين ، ضعيف جداً . وقدم من فوائد النار ما هو أهم وآكد من تذكيرها بنار جهنم ، ثم أتبعه بفائدتها في الدنيا . وهذه الأربعة التي ذكرها الله تعالى ووقفهم عليها ، من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب . والنار من أعظم الدلائل على البعث ، وفيها انتقال من شيء إلى شيء ، وإحداث شيء من شيء ، ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه تعالى عما يقول الكافرون . ووصف تعالى نفسه بالعظيم ، إذ من هذه أفعاله تدل على عظمته وكبريائه وانفراده بالخلق والإنشاء .