Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 12-22)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بين يدي نجواكم } : استعارة , والمعنى : قبل نجواكم . وعن ابن عباس وقتادة : أن قوماً من المؤمنين وأغفالهم كثرت مناجاتهم للرسول عليه الصلاة والسلام في غير جاحة إلا لتظهر منزلتهم , وكان صلى الله عليه وسلم سمحاً لا يرد أحداً , فنزلت مشددة عليهم أمر المناجاة . وهذا الحكم قيل : نسخ قبل العمل به . وقال قتادة : عمل به ساعة من نهار . وقال مقاتل : عشرة أيام . وقال عليّ , كرم الله وجهه : ما عمل به أحد غيري , أردت المناجاة ولي دينار , فصرفته بعشرة دراهم , وناجيت عشر مرار , أتصدق في كل مرة بدرهم , ثم ظهرت مشقة ذلك على الناس , فنزلت الرخصة في ترك الصدقة . وقرىء : صدقات بالجمع . وقال ابن عباس : هي منسوخة بالآية التي بعدها . وقيل بآية الزكاة . { أأشفقتم } : أخفتم من ذهاب المال في الصدقة , أو من العجز عن وجودها تتصدقون به ؟ { فإذ لم تفعلوا } : ما أمرتم به , { وتاب الله عليكم } : عذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوا , فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وأفعال الطاعات . { الذين تولوا } : هم المنافقون ، والمغضوب عليهم : هم اليهود ، عن السدي ومقاتل ، " أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان ، فدخل عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان أزرق أسمر قصيراً ، خفيف اللحية ، فقال عليه الصلاة والسلام : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل ، فقال عليه الصلاة والسلام له : « فعلت » ، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه " ، فنزلت . والضمير في { مـا هم } عائد على { الذين تولوا } ، وهم المنافقون : أي ليسوا منكم أيها المؤمنون ، { ولا منهم } : أي ليسوا من الذين تولوهم ، وهم اليهود . وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه " وقال ابن عطية : يحتمل تأويلاً آخر ، وهو أن يكون قوله : { مـا هم } يريد به اليهود ، وقوله : { ولا منهم } يريد به المنافقين ، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن ، لأنهم تولوا مغضوباً عليهم ، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً . انتهى . والظاهر التأويل الأول ، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم . والضمير في { ويحلفون } عائد عليهم ، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف . وعلى هذا التأويل يكون { مـا هم } استئنافاً ، وجاز أن يكون حالاً من ضمير { تولوا } . وعلى احتمال ابن عطية ، يكون { مـا هم } صفة لقوم . { ويحلفون على الكذب } ، إما أنهم ما سبوا ، كما روي في سبب النزول ، أو على أنهم مسلمون . والكذب هو ما ادعوه من الإسلام . { وهم يعلمون } : جملة حالية يقبح عليهم ، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا ، فالمعنى : وهم عالمون متعمدون له . والعذاب الشديد : المعد لهم في الآخرة . وقرأ الجمهور : { أيمانهم } جمع يمين ؛ والحسن : إيمانهم ، بكسر الهمزة : أي ما يظهرون من الإيمان ، { جنة } : أي ما يتسترون به ويتقون المحدود ، وهو الترس ، { فصدوا } : أي أعرضوا ، أو صدوا الناس عن الإسلام ، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله ، أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان ، وقتلهم هو سبيل الله فيهم ، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمين عن قتلهم . { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } : تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائل آل عمران . { فيحلفون له } : أي لله تعالى . ألا ترى إلى قولهم : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] { كما يحلفون لكم } أنهم مؤمنون ، وليسوا بمؤمنين . والعجب منهم ، كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على عالم الغيب والشهادة ، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم ؟ والمقصود أنهم مقيمون على الكذب ، قد تعودوه حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا ، { ويحسبون أنهم على شيء } : أي شيء نافع لهم . { استحوذ عليهم الشيطان } : أي أحاط بهم من كل جهة ، وغلب على نفوسهم واستولى عليها ، وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى : { ألم نستحوذ عليكم } [ النساء : 141 ] في النساء ، وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها ، وجمعها غالباً لها ، ومنه كان أحوذياً نسيج وحده . وقرأ عمر : استحاذ ، أخرجه على الأصل والقياس ، واستحوذ شاذ في القياس فصيح في الاستعمال . { فأنساهم ذكر الله } : فهم لا يذكرونه ، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم ؛ و { حزب الشيطان } : جنده ، قاله أبو عبيدة . { أولئك في الأذلين } : هي أفعل التفضيل ، أي في جملة من هو أذل خلق الله تعالى ، لا ترى أحداً أذل منهم . وعن مقاتل : لما فتح الله مكة للمؤمنين ، والطائف وخيبر وما حولها ، قالوا : نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم ، فقال عبد الله بن أبي : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها ؟ والله إنهم لأكثر عدداً وأشد بطشاً من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } : { كتب } : أي في اللوح المحفوظ ، أو قضى . وقال قتادة : بمعنى قال ، { ورسلي } : أي من بعثت منهم بالحرب ومن بعثت منهم بالحجة . { إن الله قوي } : ينصر حزبه ، { عزيز } : يمنعه من أن يذل . { لا تجد قوماً } ، قال الزمخشري ، من باب التخييل : خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يوادون المشركين ، والغرض منه أنه لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقه أن يمتنع ، ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله . وزاد ذلك تأكيداً بقوله : { ولو كانوا آباءهم } . انتهى . وبدأ بالآباء لأنهم الواجب على الأولاد طاعتهم ، فنهاهم عن موادتهم . وقال تعالى : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } [ لقمان : 15 ] ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب ، ثم أتى ثالثاً بالإخوان لأنهم بهم التعاضد ، كما قيل : @ أخاك أخاك إن من لا أخاً له كساع إلى الهيجاء بغير سلاح @@ ثم رابعاً بالعشيرة ، لأن بها التناصر ، وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إلى ما دعوا إليه ، كما قال : @ لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً @@ وقرأ الجمهور : { كتب } مبنياً للفاعل ، { في قلوبهم الإيمان } نصباً ، أي كتب الله . وأبو حيوة والمفضل عن عاصم : كتب مبنياً للمفعول ، والإيمان رفع . والجمهور : { أو عشيرتهم } على الإفراد ؛ وأبو رجاء : على الجمع ، والمعنى : أثبت الإيمان في قلوبهم وأيدهم بروح منه تعالى ، وهو الهدى والنور واللطف . وقيل : الروح : القرآن . وقيل : جبريل يوم بدر . وقيل : الضمير في منه عائد على الإيمان ، والإنسان في نفسه روح يحيا به المؤمن ، والإشارة بأولئك كتب إلى الذين لا يوادّون من حادّ الله ورسوله . قيل : والآية نزلت في أبي حاطب بن أبي بلتعة . وقيل : الظاهر أنها متصلة بالآي التي في المنافقين الموالين لليهود . وقيل : " نزلت في ابن أبيّ وأبي بكر الصديق ، رضى الله تعالى عنه ، كان منه سب للرسول صلى الله عليه وسلم ، فصكه أبو بكر صكة سقط منها ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : « أوفعلته » ؟ قال : نعم ، قال : « لا تعد » ، قال : والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته " وقيل : في أبي عبيدة بن الجراح ، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أُحد ، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه بن عمير يوم أُحد . وقال ابن شوذب : يوم بدر ، وفي عمر قتل خاله العاصي بن هشام يوم بدر ، وفي عليّ وحمزة وعبيد بن الحارث ، قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة يوم بدر . وقال الواقدي في قصة أبي عبيدة أنه قتل أباه ، قال : كذلك يقول أهل الشام ، وقد سألت رجالاً من بني فهر فقالوا : توفي أبوه قبل الإسلام . انتهى ، يعنون في الجاهلية قبل ظهور الإسلام . وقد رتب المفسرون . { ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } على قصة أبي عبيدة وأبي بكر ومصعب وعمر وعليّ وحمزة وعبيد مع أقربائهم ، والله تعالى أعلم .