Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 15-24)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كمثل } : خبر مبتدأ محذوف ، أي مثلهم ، أي بني النضير { كمثل الذين من قبلهم قريباً } : وهم بنو قينقاع ، أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة قبل بني النضير فكانوا مثلاً لهم ، قاله ابن عباس ؛ أو أهل بدر الكفار ، فإنه عليه الصلاة والسلام قتلهم ، فهم مثلهم في أن غلبوا وقهروا . وقيل : الضمير في { من قبلهم } للمنافقين ، و { الذين من قبلهم } : منافقو الأمم الماضية ، غلبوا ودلوا على وجه الدهر ، فهؤلاء مثلهم . ويبعد هذا التأويل لفظة { قريباً } أن جعلته متعلقاً بما قبله ، وقريباً ظرف زمان وإن جعلته معمولاً لذاقوا ، أي ذاقوا وبال أمرهم قريباً من عصيانهم ، أي لم تتأخر عقوبتهم في الدنيا ، كما لم تتأخر عقوبة هؤلاء . { ولهم عذاب أليم } في الآخرة . { كمثل الشيطان } : لما مثلهم بمن قبلهم ، ذكر مثلهم مع المنافقين ، فالمنافقون كالشيطان ، وبنو النضير كالإنسان ، والجمهور : على أن الشيطان والإنسان اسما جنس يورطه في المعصية ثم يفر منه . كذلك أغوى المنافقون بني النضير ، وحرضوهم على الثبات ، ووعدوهم النصر . فلما نشب بنو النضير ، خذلهم المنافقون وتركوهم في أسوأ حال . وقيل : المراد استغواء الشيطان قريشاً يوم بدر . وقوله لهم : { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } [ الأنفال : 48 ] إلى قوله : { إني بريء منكم } [ الأنفال : 48 ] وقيل : التمثيل بشيطان مخصوص مع عابد مخصوص استودع امرأة ، فوقع عليها فحملت ، فخشي الفضيحة ، فقتلها ودفنها . سول له الشيطان ذلك ، ثم شهره ، فاستخرجت فوجدت مقتولة ؛ وكان قال إنها ماتت ودفنتها ، فعلموا بذلك ، فتعرض له الشيطان وقال : اكفر واسجد لي وأنا أنجيك ، ففعل وتركه عند ذلك وقال : أنا بريء منك . وقول الشيطان : { إني أخاف الله } رياء ، ولا يمنعه الخوف عن سوء يوقع ابن آدم فيه . وقرأ الجمهور : { عاقبتهما } بنصب التاء ؛ والحسن وعمرو بن عبيد وسليم بن أرقم : برفعهما . والجمهور : { خالدين } بالياء حالاً ، و { في النار } خبر أن ؛ وعبد الله وزيد بن علي والأعمش وابن أبي عبلة : بالألف ، فجاز أن يكون خبر أن ، والظرف ملغى وإن كان قد أكد بقوله : { فيها } ، وذلك جائز على مذهب سيبويه ، ومنع ذلك أهل الكوفة ، لأنه إذا أكد عندهم لا يلغى . ويجوز أن يكون في النار خبراً ، لأن { خـالدين } خبر ثان ، فلا يكون فيه حجة على مذهب سيبويه . ولما انقضى في هذه السورة ، وصف المنافقون واليهود . وعظ المؤمنين ، لأن الموعظة بعد ذكر المصيبة لها موقع في النفس لرقة القلوب والحذر مما يوجب العذاب ، وكرر الأمر بالتقوى على سبيل التوكيد ، أو لإختلاف متعلق بالتقوى . فالأولى في أداء الفرائض ، لأنه مقترن بالعمل ؛ والثانية في ترك المعاصي ، لأنه مقترن بالتهديد والوعيد . وقرأ الجمهور : { ولتنظر } : أمراً ، واللام ساكنة ؛ وأبو حيوة ويحيـى بن الحارث : بكسرها . وروي ذلك عن حفص ، عن عاصم والحسن : بكسرها وفتح الراء ، جعلها لام كي . ولما كان أمر القيامة كائناً لا محالة ، عبر عنه بالغد ، وهو اليوم الذي يلي يومك على سبيل التقريب . وقال الحسن وقتادة : لم يزل يقر به حتى جعله كالغد ، ونحوه : { كأن لم تغن بالأمس } [ يونس : 24 ] ، يريد تقريب الزمان الماضي . وقيل : عبر عن الآخرة بالغد ، كأن الدنيا والآخرة نهاران ، يوم وغد . قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بقوله : { لغد } : ليوم الموت ، لأنه لكل إنسان كغده . وقال مجاهد وابن زيد : بالأمس الدنيا وغد الآخرة . وقال الزمخشري : أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة ، كأنه : قيل لغد لا يعرف كنهه لعظمه . انتهى . وقرأ الجمهور : { لا تكونوا } بتاء الخطاب ؛ وأبو حيوة : بياء الغيبة ، على سبيل الالتفات . وقال ابن عطية : كناية عن نفس التي هي اسم الجنس ؛ { كالذين نسوا } : هم الكفار ، وتركوا عبادة الله وامتثال ما أمر واجتناب ما نهى ، وهذا تنبيه على فرط غفلتهم واتباع شهواتهم ؛ { فأنساهم أنفسهم } ، حيث لم يسعوا إليها في الخلاص من العذاب ، وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب . عوقبوا على نسيان جهة الله تعالى بأن أنساهم أنفسهم . قال سفيان : المعنى حظ أنفسهم ، ثم ذكر مباينة الفريقين : أصحاب النار في الجحيم ، وأصحاب الجنة في النعيم ، كما قال : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ السجدة : 18 ] وقال تعالى : { أم نجعل المتقين كالفجار } [ ص : 28 ] . { لو أنزلنا هـذا القرآن على جبل } : هذا من باب التخييل والتمثيل ، كما مر في قوله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات } [ الأحزاب : 72 ] ودل على ذلك : { وتلك الأمثال نضربها للناس } [ العنكبوت : 43 ] والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه ، وعدم تأثره لهذا الذي لو أنزل على الجبل لتخشع وتصدع . وإذا كان الجبل على عظمه وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع ، فابن آدم كان أولى بذلك ، لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر . وقرأ طلحة : مصدعاً ، بإدغام التاء في الصاد ؛ وأبو السمال وأبو دينار الأعرابي : القدوس بفتح القاف ؛ والجمهور : بالفك والضم . وقرأ الجمهور : المؤمن بكسر الميم ، اسم فاعل من آمن بمعنى أمن . وقال ثعلب : المصدق المؤمنين في أنهم آمنوا . وقال النحاس : أو في شهادتهم على الناس يوم القيامة . وقيل : المصدق نفسه في أقواله الأزلية . وقرأ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، وقيل ، أبو جعفر المدني : المؤمن بفتح الميم . قال أبو حاتم : لا يجوز ذلك ، لأنه لو كان كذلك لكان المؤمن به وكان جائزاً ، لكن المؤمن المطلق بلا حرف جر يكون من كان خائفاً فأومن . وقال الزمخشري : يعني المؤمن به على حذف حرف الجر ، كما تقول في قوم موسى من قوله : { واختار موسى قومه } [ الأعراف : 155 ] المختارون . { المهيمن } : تقدم شرحه . { الجبار } : القهار الذي جبر خلقه على ما أراد . وقيل : الجبار : الذي لا يدانيه شيء ولا يلحق ، ومنه نخلة جبارة إذا لم تلحق ، وقال امرؤ القيس : @ سوابق جبار أتيت فروعه وعالين قنواناً من البسر أحمرا @@ وقال ابن عباس : هو العظيم ، وجبروته : عظمته . وقيل : هو من الجبر ، وهو الإصلاح . جبرت العظم : أصلحته بعد الكسر . وقال الفراء : من أجبره على الأمر : قهره ، قال : ولم أسمع فعالاً من أفعل إلا في جبار ودراك . انتهى ، وسمع أسار فهو أسار . { المتكبر } : المبالغ في الكبرياء والعظمة . وقيل : المتكبر عن ظلم عباده ، { الخالق } : المقدر لما يوجده . { البارىء } : المميز بعضه من بعض بالأشكال المختلفة ، { المصور } : الممثل . وقرأ عليّ وحاطب بن أبي بلتعة والحسن وابن السميفع : المصور بفتح الواو والراء ، وانتصب مفعولاً بالباري ، وأراد به جنس المصور . وعن علي ؛ فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول ، نحو : الضارب الغلام .