Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 8-14)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ للفقراء } ، قال الزمخشري : بدل من قوله : { ولذي القربى } ، والمعطوف عليه والذي منع الإبدال من { لله وللرسول } ، والمعطوف عليهما ، وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الله عز وجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله : { وينصرون الله ورسوله } ، وأنه يترفع برسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسمية بالفقير ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وعلا . انتهى . وإنما جعله الزمخشري بدلاً من قوله : { ولذي القربى } ، لأنه مذهب أبي حنيفة ، والمعنى إنما يستحق ذو القربى الفقير . فالفقر شرط فيه على مذهب أبي حنيفة ، ففسره الزمخشري على مذهبه . وأما الشافعي ، فيرى أن سبب الاستحقاق هو القرابة ، فيأخذ ذو القربى الغني لقرابته . وقال ابن عطية : { للفقراء المهاجرين } بيان لقوله : { والمساكين وابن السبيل } ، وكررت لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام ، ليبين بين الأغنياء منكم ، أي ولكن يكون للفقراء . انتهى . ثم وصف تعالى المهاجرين بما يقتضي فقرهم ويوجب الإشفاق عليهم . { أولئك هم الصادقون } : أي في إيمانهم وجهادهم قولاً وفعلاً . والظاهر أن قوله : { والذين تبوؤا } معطوف على المهاجرين ، وهم الأنصار ، فيكون قد وقع بينهم الاشتراك فيما يقسم من الأموال . وقيل : هو مستأنف مرفوع بالابتداء ، والخبر { يحبون } . أثنى الله تعالى بهذه الخصال الجليلة ، كما أثنى على المهاجرين بقوله : { يبتغون فضلاً } الخ ، والإيمان معطوف على الدار ، وهي المدينة ، والإيمان ليس مكاناً فيتبوأ . فقيل : هو من عطف الجمل ، أي واعتقدوا الإيمان وأخلصوا فيه ، قاله أبو عليّ ، فيكون كقوله : @ عـلفتها تبنـاً ومـاء بـارداً @@ أو يكون ضمن { تبوؤا } معنى لزموا ، واللزوم قدر مشترك في الدار والإيمان ، فيصح العطف . أو لما كان الإيمان قد شملهم ، صار كالمكان الذي يقيمون فيه ، لكن يكون ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز . قال الزمخشري : أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان ، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه ، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه ؛ أو سمى المدينة ، لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان . وقال ابن عطية : والمعنى تبوؤا الدار مع الإيمان معاً ، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله : { من قبلهم } فتأمله . انتهى . ومعنى { من قبلهم } : من قبل هجرتهم ، { حاجة } : أي حسداً ، { مما أوتوا } : أي مما أعطي المهاجرون ، ونعم الحاجة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في إعطاء المهاجرين من أموال بني النضير والقرى . { ويؤثرون على أنفسهم } : من ذلك قصة الأنصاري مع ضيف الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يكن لهم إلا ما يأكل الصبية ، فأوهمهم أنه يأكل حتى أكل الضيف ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " عجب الله من فعلكما البارحة " ، فالآية مشيرة إلى ذلك . وروي غير ذلك في إيثارهم . والخصاصة : الفاقة ، مأخوذة من خصاص البيت ، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج : والفتوح ، فكأن حال الفقير هي كذلك ، يتخللها النقص والاحتياج . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : شح بكسر الشين . والجمهور : بإسكان الواو وتخفيف القاف وضم الشين ، والشح : اللؤم ، وهو كزازة النفس على ما عندها ، والحرص على المنع . قال الشاعر : @ يمارس نفساً بين جنبيه كزة إذا همّ بالمعروف قالت له مهلاً @@ وأضيف الشح إلى النفس لأنه غريزة فيها . وقال تعالى : { وأحضرت الأنفس الشح } [ النساء : 128 ] وفي الحديث : " من أدّى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برىء من الشح " { والذين جاءوا من بعدهم } : الظاهر أنه معطوف على ما قبله من المعطوف على المهاجرين . فقال الفراء : هم الفرقة الثالثة من الصحابة ، وهو من آمن أو كفر في آخر مدّة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الجمهور : أراد من يجيء من التابعين ، فعلى القول الأول : يكون معنى { من بعدهم } : أي من بعد المهاجرين والأنصار السابقين بالإيمان ، وهؤلاء تأخر إيمانهم ، أو سبق إيمانه وتأخرت وفاته حتى انقرض معظم المهاجرين والأنصار . وعلى القول الثاني : يكون معنى { من بعدهم } : أي من بعد ممات المهاجرين ، مهاجريهم وأنصارهم . وإذا كان { والذين } معطوفاً على المجرور قبله ، فالظاهر أنهم مشاركو من تقدّم في حكم الفيء . وقال مالك بن أوس : قرأ عمرو { إنما الصدقات للفقراء } [ التوبة : 60 ] الآية ، فقال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { واعلموا أنما غنمتم } [ الأنفال : 41 ] فقال : وهذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله } حتى بلغ { للفقراء المهاجرين } إلى { والذين جاءوا من بعدهم } . ثم قال : لئن عشت لنؤتين الراعي ، وهو يسير نصيبه منها . وعنه أيضاً : أنه استشار المهاجرين والأنصار فيما فتح الله عليه من ذلك في كلام كثير آخره أنه تلا : { ما أفاء الله على رسوله } الآية ، فلما بلغ { أولئك هم الصـادقون } قال : هي لهؤلاء فقط ، وتلا : { والذين جاءوا من بعدهم } الآية ، إلى قوله : { رءوف رحيم } ؛ ثم قال : ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك . وقال عمر رضي الله تعالى عنه : لولا من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها ، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر . وقيل : { والذين جاءوا من بعدهم } مقطوع مما قبله ، معطوف عطف الجمل ، لا عطف المفردات ؛ فإعرابه : { والذين } مبتدأ ، ندبوا بالدعاء للأولين ، والثناء عليهم ، وهم من يجيء بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، والخبر { يقولون } ، أخبر تعالى عنهم بأنهم لإيمانهم ومحبة أسلافهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا } ، وعلى القول الأول يكون { يقولون } استئناف إخبار ، قيل : أو حال . { ألم تر إلى الذين نافقوا } الآية : نزلت في عبد الله بن أبيّ ، ورفاعة بن التابوت ، وقوم من منافقي الأنصار ، كانوا بعثوا إلى بني النضير بما تضمنته الجمل المحكية بقوله : { يقولون } ، واللام في { لإخوانهم } للتبليغ ، والإخوة بينهم إخوة الكفر وموالاتهم ، { ولا نطيع فيكم } : أي في قتالكم ، { أحداً } : من الرسول والمؤمنين ؛ أو { لا نطيع فيكم } : أي في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة ، و { لننصرنكم } : جواب قسم محذوف قبل أن الشرطية ، وجواب أن محذوف ، والكثير في كلام العرب إثبات اللام المؤذنة بالقسم قبل أداة الشرط ، ومن حذفها قوله : { وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين } [ المائدة : 73 ] التقدير : ولئن لم ينتهوا لكاذبون ، أي في مواعيدهم لليهود ، وفي ذلك دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب ، ولذلك لم يخرجوا حين أخرج بنو النضير ، بل أقاموا في ديارهم ، وهذا إذا كان قوله : { لإخوانهم } أنهم بنو النضير . وقيل : هم يهود المدينة ، والضمائر على هذين القولين . وقيل : فيها اختلاف ، أي لئن أخرج اليهود لا يخرج المنافقون ، ولئن قوتل اليهود لا ينصرهم المنافقون ، ولئن نصر اليهود المنافقين ليولي اليهود الأدبار ، وكأن صاحب هذا القول نظر إلى قوله : { ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } ، فقد أخبر أنهم لا ينصرونهم ، فكيف يأتي { ولئن نصروهم } ؟ فأخرجه في حيز الإمكان ، وقد أخبر أنهم لا ينصرونهم ، فلا يمكن نصرهم إياهم بعد إخباره تعالى أنه لا يقع . وإذا كانت الضمائر متفقة ، فقال الزمخشري : معناه ولئن نصروهم على الفرض ، والتقدير كقوله : { لئن أشركت ليحبطن عملك } [ الزمر : 65 ] وكما يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون . وقال ابن عطية : معناه : ولئن خالفوا ذلك فإنهم ينهزمون . انتهى . والظاهر أن الضمير في { ليولن الأدبار } ، وفي { ثم لا ينصرون } عائد على المفروض أنهم ينصرونهم ، أي ولئن نصرهم المنافقون ليولن المنافقون الأدبار ، ثم لا ينصر المنافقون . وقيل : الضمير في التولي عائد على اليهود ، وكذا في { لا ينصرون } . قال ابن عطية : وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله : { لا يخرجون } و { لا ينصرون } لأنها راجعة على حكم القسم ، لا على حكم الشرط ، وفي هذا نظر . انتهى . وأي نظر في هذا ؟ وهذا جاء على القاعدة المتفق عليها من أنه إذا تقدم القسم على الشرط كان الجواب للقسم وحذف جواب الشرط ، وكان فعله بصيغة المضي ، أو مجزوماً بلم ، وله شرط ، وهو أن لا يتقدمه طالب خبر . واللام في { لئن } مؤذنة بقسم محذوف قبله ، فالجواب له . وقد أجاز الفراء أن يجاب الشرط ، وأن تقدم القسم ، ورده عليه البصريون . ثم خاطب المؤمنين بأن هؤلاء يخافونكم أشد خيفة من الله تعالى ، لأنهم يتوقعون عاجل شركم ، ولعدم إيمانهم لا يتوقعون أجل عذاب الله ، وذلك لقلة فهمهم ، ورهبة : مصدر رهب المبني للمفعول ، كأنه قيل : أشد مرهوبية ، فالرهبة واقعة منهم لا من المخاطبين ، والمخاطبون مرهوبون ، وهذا كما قال : @ فلهو أخوف عندي إذ أكلمه وقيل إنك مأسور ومقتول من ضيغم بثراء الأرض مخدره ببطن عثر غيل دونه غيل @@ فالمخبر عنه مخوف لا خائف ، والضمير في { صدورهم } . قيل : لليهود ، وقيل : للمنافقين ، وقيل : للفريقين . وجعل المصدر مقراً للرهبة دليل على تمكنها منهم بحيث صارت الصدور مقراً لها ، والمعنى : رهبتهم منكم أشد من رهبتهم من الله عز وجل . { لا يقـاتلونكم } : أي بنو النضير وجميع اليهود . وقيل : اليهود والمنافقون { جميعاً } : أي مجتمعين متساندين يعضد بعضهم بعضاً ، { إلا في قرى محصنة } : لا في الصحراء لخوفهم منكم ، وتحصينها بالدروب والخنادق ، أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم . وقرأ الجمهور : { جدر } بضمتين ، جمع جدار ؛ وأبو رجاء والحسن وابن وثاب : بإسكان الدال تخفيفاً ، ورويت عن ابن كثير وعاصم والأعمش . وقرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين : جدار بالألف وكسر الجيم . وقرأ كثير من المكيين ، وهارون عن ابن كثير : جدر بفتح الجيم وسكون الدال . قال صاحب اللوامح : وهو واخذ بلغة اليمن . وقال ابن عطية : ومعناه أصل بنيان كالسور ونحوه . قال : ويحتمل أن يكون من جدر النخل ، أي من وراء نخلهم ، إذ هي مما يتقى به عند المصافة . { بأسهم بينهم شديد } : أي إذا اقتتلوا بعضهم مع بعض . كان بأسهم شديداً ؛ أما إذا قاتلوكم ، فلا يبقى لهم بأس ، لأن من حارب أولياء الله خذل . { تحسبهم جميعاً } : أي مجتمعين ، ذوي ألفة واتحاد . { وقلوبهم شتى } : أي وأهواؤهم متفرقة ، وكذا حال المخذولين ، لا تستقر أهواؤهم على شيء واحد ، وموجب ذلك الشتات هو انتفاء عقولهم ، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة . وقرأ الجمهور : { شتى } بألف التأنيث ؛ ومبشر بن عبيد : منوناً ، جعلها ألف الإلحاق ؛ وعبد الله : وقلوبهم أشت : أي أشد تفرقاً ، ومن كلام العرب : شتى تؤوب الحلبة . قال الشاعر :