Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 1-7)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وتقدم الكلام في تسبيح الجمادات التي يشملها العموم المدلول عليه بما ، { من أهل الكتاب } : هم قريظة ، وكانت قبيلة عظيمة توازن في القدر والمنزلة بني النضير ، ويقال لهما الكاهنان ، لأنهما من ولد الكاهن ابن هارون ، نزلوا قريباً من المدينة في فتن بني إسرائيل ، انتظاراً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فكان من أمرهم ما قصه الله تعالى في كتابه . { من ديارهم } : يتعلق بأخرج ، و { من أهل الكتاب } يتعلق بمحذوف ، أي كائنين من أهل الكتاب . وصحت الإضافة إليهم لأنهم كانوا ببرية لا عمران فيها ، فبنوا فيها وأنشأوا . واللام في { لأول الحشر } تتعلق بأخرج ، وهي لام التوقيت ، كقوله : { لدلوك الشمس } [ الإسراء : 78 ] والمعنى : عند أول الحشر ، والحشر : الجمع للتوجيه إلى ناحية مّا . والجمهور : إلى أن هؤلاء الذين أخرجوا هم بنو النضير . وقال الحسن : هم بنو قريظة ؛ ورد هذا بأن بني قريظة ما حشروا ولا أجلوا وإنما قتلوا ، وهذا الحشر هو بالنسبة لإخراج بني النضير . وقيل الحشر هو حشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتائب لقتالهم ، وهو أول حشر منه لهم ، وأول قتال قاتلهم . وأول يقتضي ثانياً ، فقيل : الأول حشرهم للجلاء ، والثاني حشر عمر لأهل خيبر وجلاؤهم . وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بجلاء أهل خيبر بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يبقين دينان في جزيرة " وقال الحسن : أراد حشر القيامة ، أي هذا أوله ، والقيام من القبور آخره . وقال عكرمة والزهري : المعنى : الأول موضع الحشر ، وهو الشام . وفي الحديث ، " أنه عليه الصلاة والسلام قال لبني النضير : اخرجوا ، قالوا : إلى أين ؟ قال : إلى أرض المحشر " وقيل : الثاني نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وهذا الجلاء كان في ابتداء الإسلام ، وأما الآن فقد نسخ ، فلا بد من القتل والسبي أو ضرب الجزية . { ما ظننتم أن يخرجوا } ، لعظم أمرهم ومنعتهم وقوتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم . { وظنوا أنهم } تمنعهم حصونهم من حرب الله وبأسه . ولما كان ظن المؤمنين منفياً هنا ، أجري مجرى نفي الرجاء والطمع ، فتسلط على أن الناصبة للفعل ، كما يتسلط الرجاء والطمع . ولما كان ظن اليهود قوياً جداً يكاد أن يلحق بالعلم تسلط على أن المشددة ، وهي التي يصحبها غالباً فعل التحقيق ، كعلمت وتحققت وأيقنت ، وحصونهم الوصم والميضاة والسلاليم والكثيبة . وقال الزمخشري : فإن قلت : أي فرق بين قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم ، وبين النظم الذي جاء عليه ؟ قلت : في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم ، وفي تصيير ضميرهم اسماً لأن وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في انفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم ، وليس ذلك في قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم . انتهى ، يعني أن حصونهم هو المبتدأ ، ومانعتهم الخبر ، ولا يتعين هذا ، بل الراجح أن يكون حصونهم فاعلة بمانعتهم ، لأن في توجيهه تقديماً وتأخيراً ، وفي إجازة مثله من نحو : قائم زيد ، على الابتداء ، والخبر خلاف ؛ ومذهب أهل الكوفة منعه . { فـأتاهم الله } : أي بأسه ، { من حيث لم يحتسبوا } : أي لم يكن في حسابهم ، وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف ، قاله السدي وأبو صالح وابن جريج ، وذلك مما أضعف قوتهم . { وقذف في قلوبهم الرعب } ، فسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } ، قال قتادة : خرب المؤمنون من خارج ليدخلوا ، وخربوا هم من داخل ونحوه . قال الضحاك والزجاج وغيرهما : كانوا كلما خرب المسلمون من حصونهم ، هدموا هم من البيوت ، خربوا الحصن . وقال الزهري وغيره : كانوا ، لما أبيح لهم ما تستقل به الإبل ، لا يدعون خشبة حسنة ولا سارية إلا قلعوها وخربوا البيوت عنها ، فيكون قوله : { وأيدي المؤمنين } إسناد التخريب إليها من حيث كان المؤمنون محاصرتهم إياهم داعية إلى ذلك . وقيل : شحوا على بقائها سليمة ، فخربوها إفساداً . وقرأ قتادة والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمر : ويخربون مشدّداً ؛ وباقي السبعة مخففاً ، والقراءتان بمعنى واحد عدى خرب اللازم بالتضعيف وبالهمزة . وقال صاحب الكامل في القراءات ؛ التشديد الاختيار على التكثير . وقال أبو عمرو بن العلاء : خرب بمعنى هدم وأفسد ، وأخرب : ترك الموضع خراباً وذهب عنه . { فاعتبروا } : تفطنوا لما دبر الله من إخراجهم بتسليط المؤمنين عليهم من غير قتال . وقيل : وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يورثهم الله أرضهم وأموالهم بغير قتال ، فقال : فكان كما قال ؛ { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا } : أي لولا أنه تعالى قضى أنه سيجليهم من ديارهم ويبقون مدة يؤمن بعضهم ويولد لبعضهم من يؤمن ، لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي ، كما فعل بإخوانهم بني قريظة . وكان بنو النضير من الجيش الذين عصوا موسى في كونهم لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق ، تركوه لجماله وعقله . وقال موسى عليه السلام : لا تستحيوا منهم أحداً . فلما رجعوا إلى الشام ، وجدوا موسى عليه السلام قد مات . فقال لهم بنو إسرائيل : أننم عصاة ، والله لا دخلتم علينا بلادنا ، فانصرفوا إلى الحجاز ، فكانوا فيه ، فلم يجر عليهم الجلاء الذي أجلاه بخت نصر على أهل الشام . وكان الله قد كتب على بني إسرائيل جلاء ، فنالهم هذا الجلاء على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالسيف والقتل ، كأهل بدر وغيرهم . ويقال : جلا القوم عن منازلهم وأجلاهم غيرهم . قيل : والفرق بين الجلاء والإخراج : أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد ، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد . وقال الماوردي : الجلاء لا يكون إلا لجماعة ، والإخراج قد يكون لواحد وجماعة . وقرأ الجمهور : الجلاء ممدوداً ؛ والحسن بن صالح وأخوه علي بن صالح : مقصوراً ؛ وطلحة : مهموزاً من غير ألف كالبنأ . { ولهم في الآخرة عذاب النار } : أي إن نجوا من عذاب الدنيا ، لم ينجوا في الآخرة . وقرأ طلحة : ومن يشاقق بالإظهار ، كالمتفق عليه في الأنفال ؛ والجمهور ؛ بالإدغام . كان بعض الصحابة قد شرع في بعض نخل بني النضير يقطع ويحرق ، وذلك في صدر الحرب ، فقالوا : ما هذا الإفساد يا محمد وأنت تنهى عن الإفساد ؟ فكفوا عن ذلك ، ونزل : { ما قطعتم من لينة } الآية رداً على بني النضير ، وإخباراً أن ذلك بتسويغ الله وتمكينه ليخربكم به ويذلكم . واللينة والنخلة اسمان بمعنى واحد ، قاله الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون . وقال الشاعر : @ كان قيودي فوقها عش طائر على لينة سوقاً يهفو حيونها @@ وقال آخر : @ طراق الحوامي واقع فوق لينة يدي ليلة في ولشه يترقرق @@ وقال ابن عباس وجماعة من أهل اللغة : هي النخلة ما لم تكن عجوة . وقال الثوري : الكريمة من النخل . وقال أبو عبيدة وسفيان : ما ثمرها لون ، وهو نوع من التمر يقال له اللون . قال سفيان : هو شديد الصفرة يشف عن نواه فيرى من خارج . وقال أيضاً أبو عبيدة : اللين : ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برني . وقال جعفر بن محمد : هي العجوة ، وقيل : هي السيلان ، وأنشد فيه : @ غرسوا لينة بمجرى معين ثم حف النخيل بالآجام @@ وقيل : هي أغصان الأشجار للينها ، فعلى هذا لا يكون أصل الياء الواو . وقيل : هي النخلة القصيرة . وقال الأصمعي : هي الدفل ، وما شرطية منصوبة بقطعتم ، ومن لينة تبيين لإبهام ما ، وجواب الشرط { فبإذن الله } : أي فقطعها أو تركها بإذن الله . وقرأ الجمهور ؛ { قائمة } ، أنث قائمة ، والضمير في { تركتموها } على معنى ما . وقرأ عبد الله والأعمش وزيد بن علي : قوماً على وزن فعل ، كضرب جمع قائم . وقرىء : قائماً اسم فاعل ، فذكر على لفظ ما ، وأنث في على أصولها . وقرىء : أصلها بغير واو . ولما جلا بنو النضير عن أوطانهم وتركوا رباعهم وأموالهم ، طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر ، فنزلت : { ما أفاء الله على رسوله } : بين أن أموالهم فيء ، لم يوجف عليها خيل ولا ركاب ولا قطعت مسافة ، إنما كانوا ميلين من المدينة مشوا مشياً ، ولم يركب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عمر بن الخطاب : كانت أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، ينفق منها على أهله نفقة سنته ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله تعالى . وقال الضحاك : كانت له عليه الصلاة والسلام ، فآثر بها المهاجرين وقسمها عليهم ، ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا أبا دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة ، أعطاهم لفقرهم . وما في قوله : { وما أفاء الله على رسوله } شرطية أو موصولة ، وأفاء بمعنى : يفيء ، ولا يكون ماضياً في اللفظ والمعنى ، ولذلك صلة ما الموصولة إذا كانت الباء في خبرها ، لأنها إذ ذاك شبهت باسم الشرط . فإن كانت الآية نزلت قبل جلائهم ، كانت مخبرة بغيب ، فوقع كما أخبرت ؛ وإن كانت نزلت بعد حصول أموالهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك بياناً لما يستقبل ، وحكم الماضي المتقدم حكمه . ومن في : { من خيل } زائدة في المفعول يدل عليه الاستغراق ، والركاب : الإبل ، سلط الله رسوله عليهم وعلى ما في أيديهم ، كما كان يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم . وقال بعض العلماء : كل ما وقع على الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة . { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } ، قال الزمخشري : لم يدخل العاطف على هذه الجملة ، لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير أجنبية عنها . بين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصنع بما أفاء الله عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوم على الأقسام الخمسة . انتهى . وقال ابن عطية : أهل القرى المذكورون في هذه الآية هم أهل الصفراء وينبع ووادي القرى وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى عرينة ، وحكمها مخالف لبني النضير ، ولم يحبس من هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئاً ، بل أمضاها لغيره ، وذلك أنها في ذلك الوقت فتحت . انتهى . وقيل : إن الآية الأولى خاصة في بني النضير ، وهذه الآية عامة . وقرأ الجمهور : { كي لا يكون } بالياء ؛ وعبد الله وأبو جعفر وهشام : بالتاء . والجمهور : { دولة } بضم الدال ونصب التاء ؛ وأبو جعفر وأبو حيوة وهشام : بضمها ؛ وعلي والسلمي : بفتحها . قال عيسى بن عمر : هما بمعنى واحد . وقال الكسائي وحذاق البصرة : الفتح في الملك بضم الميم لأنها الفعلة في الدهر ، والضم في الملك بكسر الميم . والضمير في تكون بالتأنيث عائد على معنى ما ، إذ المراد به الأموال والمغانم ، وذلك الضمير هو اسم { يكون } . وكذلك من قرأ بالياء ، أعاد الضمير على لفظ ما ، أي يكون الفيء ، وانتصب دولة على الخبر . ومن رفع دولة فتكون تامة ، ودولة فاعل ، وكيلا يكون تعليل لقوله : { فلله وللرسول } ، أي فالفيء وحكمه لله وللرسول ، يقسمه على ما أمره الله تعالى ، كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء بلغة يعيشون بها متداولاً بين الأغنياء يتكاثرون به ، أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم ، كما كان رؤساؤهم يستأثرون بالغنائم ويقولون : من عز بزّ ، والمعنى : كي لا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية . وروي أن قوماً من الأنصار تكلموا في هذه القرى المفتتحة وقالوا : لنا منها سهمنا ، فنزل : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وعن الكلبي : أن رؤوساً من المسلمين قالوا له : يا رسول الله ، خذ صفيك والربع ودعنا والباقي ، فهكذا كنا نفعل في الجاهلية ، فنزل : { وما آتاكم الرسول فخذوه } الآية ، وهذا عام يدخل فيه قسمة ما أفاء الله والغنائم وغيرها ؛ حتى أنه قد استدل بهذا العموم على تحريم الخمر ، وحكم الواشمة والمستوشمة ، وتحريم المخيط للمحرم . ومن غريب الحكايات في الاستنباط : أن الشافعي ، رحمه الله تعالى ، قال : سلوني عما شئتم أخبركم به من كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم . فقال له عبد الله بن محمد بن هارون : ما تقول في المحرم يقتل الزنبور ؟ فقال : قال الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وحدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر " وحدثنا سفيان بن عيينة ، عن مسعر بن كدام ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب ، أنه أمر بقتل الزنبور . انتهى . ويعني في الإحرام . بين أنه يقتدي بعمر ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتداء به ، وأن الله تعالى أمر بقبول ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .