Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 17-20)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يوماً } منصوب بتتقون ، منصوب نصب المفعول به على المجاز ، أي كيف تستقبلون هذا اليوم العظيم الذي من شأنه كذا وكذا ؟ والضمير في { يجعل } لليوم ، أسند إليه الجعل لما كان واقعاً له على سبيل المجاز . وقال الزمخشري : { يوماً } مفعول به ، أي فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً ؟ انتهى . وتتقون مضارع اتقى ، واتقى ليس بمعنى وقى حتى يفسره به ، واتقى يتعدى إلى واحد ، ووقى يتعدى إلى اثنين . قال تعالى : { ووقاهم عذاب الجحيم } [ الدخان : 56 ] ، ولذلك قدره الزمخشري : تقون أنفسكم يوم القيامة ، لكنه ليس تتقون بمعنى تقون ، فلا يتعدى بعديته ، ودس في قوله : ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً الاعتزال . قال : ويجوز أن يكون ظرفاً ، أي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا ؟ قال : ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم ، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة ؟ والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه . انتهى . وقرأ الجمهور : { يوماً } منوناً ، { يجعل } بالياء ؛ والجملة من قوله : { يجعل } صفة ليوم ، فإن كان الضمير في { يجعل } عائداً على اليوم فواضح وهو الظاهر ؛ وإن عاد على الله ، كما قال بعضهم ، فلا بد من حذف ضمير يعود إلى اليوم ، أي يجعل فيه كقوله : { يوماً لا تجزي نفس } [ البقرة : 123 ] . وقرأ زيد بن عليّ : بغير تنوين : نجعل بالنون ، فالظرف مضاف إلى الجملة ، والشيب مفعول ثان ليجعل ، أي يصير الصبيان شيوخاً ، وهو كناية عن شدة ذلك اليوم . ويقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال ، والأصل فيه أن الهموم إذا تفاقمت أسرعت بالشيب . قال المتنبي : @ والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم @@ وقال قوم : ذلك حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول ، كما قد يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط ، كهول البحر ونحوه . وقال الزمخشري : ويجوز أن يوصف اليوم بالطول ، وأن الاطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة . وقال السدي : الولدان : أولاد الزنا . وقيل : أولاد المشركين ، والظاهر العموم ، أي يشيب الصغير من غير كبر ، وذلك حين يقال لآدم : يا آدم قم فابعث بعث النار . وقيل : هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق . { السماء منفطر به } ، قال الفراء : يعني المظلة تذكر وتؤنث ، فجاء منفطر على التذكير ، ومنه قول الشاعر : @ فلو رفع السماء إليه قوم لحقنا بالسماء وبالسحاب @@ وعلى القول بالتأنيث ، فقال أبو علي الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، و { أعجاز نخل منقعر } [ القمر : 20 ] . انتهى ، يعني أنها من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وأن مفرده سماء ، واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث ، فجاء منفطر على التذكير . وقال أبو عمرو بن العلاء ، وأبو عبيدة والكسائي ، وتبعهم القاضي منذر بن سعيد : مجازها السقف ، فجاء عليه منفطر ، ولم يقل منفطرة . وقال أبو علي أيضاً : التقدير ذات انفطار كقولهم : امرأة مرضع ، أي ذات رضاع ، فجرى على طريق التسبب . وقال الزمخشري : أو السماء شيء منفطر ، فجعل منفطر صفة لخبر محذوف مقدر بمذكر وهو شيء ، والانفطار : التصدع والانشقاق ؛ والضمير في به الظاهر أنه يعود على اليوم ، والباء للسبب ، أي بسبب شدة ذلك اليوم ، أو ظرفية ، أي فيه . وقال مجاهد : يعود على الله ، أي بأمره وسلطانه . والظاهر أن الضمير في { وعده } عائد على اليوم ، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي أنه تعالى وعد عباده هذا اليوم ، وهو يوم القيامة ، فلا بد من إنجازه . ويجوز أن يكون عائداً على الله تعالى ، فيكون من إضافة المصدر إلى الفاعل ، وإن لم يجر له ذكر قريب ، لأنه معلوم أن الذي هذه مواعيده هو الله تعالى . { إن هذه } : أي السورة ، أو الأنكال وما عطف عليه ، والأخذ الوبيل ، أو آيات القرآن المتضمنة شدة القيامة ، { تذكرة } : أي موعظة ، { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً } بالتقرب إليه بالطاعة ، ومفعول شاء محذوف يدل عليه الشرط ، لأن من شرطية ، أي فمن شاء أن يتخذ سبيلاً اتخذه إلى ربه ، وليست المشيئة هنا على معنى الإباحة ، بل تتضمن معنى الوعد والوعيد . { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } : تصلي ، كقوله : { قم الليل } . لما كان أكثر أحوال الصلاة القيام عبر به عنها ، وهذه الآية نزلت تخفيفاً لما كان استمرار استعماله من أمر قيام الليل ، إما على الوجوب ، وإما على الندب ، على الخلاف الذي سبق ؛ { أدنى من ثلثي الليل } : أي زماناً هو أقل من ثلثي الليل ، واستعير الأدنى ، وهو الأقرب للأول ، لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز ، وإذا بعدت كثر ذلك . وقرأ الجمهور : { من ثلثي } بضم اللام ؛ والحسن وشيبة وأبو حيوة وابن السميفع وهشام وابن مجاهد ، عن قنبل فيما ذكر صاحب الكامل : بإسكانها ، وجاء ذلك عن نافع وابن عامر فيما ذكر صاحب اللوامح . وقرأ العربيان ونافع : ونصفه وثلثه ، بجرهما عطفاً على { ثلثي الليل } ؛ وباقي السبعة وزيد بن علي : بالنصب عطفاً على { أدنى } ، لأنه منصوب على الظرف ، أي وقتاً أدنى من ثلثي الليل . فقراءة النصب مناسبة للتقسيم الذي في أول السورة ، لأنه إذا قام الليل إلا قليلاً صدق عليه { أدنى من ثلثي الليل } ، لأن الزمان الذي لم يقم فيه يكون الثلث وشيئاً من الثلثين ، فيصدق عليه قوله : { إلا قليلاً } . وأما قوله : { ونصفه } فهو مطابق لقوله أولاً : { نصفه } . وأما ثلثه فإن قوله : { أو انقص منه قليلاً } قد ينتهي النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث الليل . وأما قوله : { أو زد عليه } ، فإنه إذا زاد على النصف قليلاً ، كان الوقت أقل من الثلثين ، فيكون قد طابق قوله : { أدنى من ثلثي الليل } ، ويكون قوله تعالى : { نصفه أو انقص منه قليلاً } شرحاً لمبهم ما دل عليه قوله : { قم الليل إلا قليلاً } ، وعلى قراءة النصب . قال الحسن وابن جبير : معنى تحصوه : تطيقوه ، أي قدر تعالى أنهم يقدرون الزمان على ما مر في أول السورة ، فلم يطيقوا قيامه لكثرته وشدته ، فخفف تعالى عنهم فضلاً منه ، لا لعلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات . وأما قراءة الجر ، فالمعنى أنه قيام مختلف ؛ مرة أدنى من الثلثين ، ومرة أدنى من النصف ، ومرة أدنى من الثلث ، وذلك لتعذر معرفة البشر مقادير الزمان مع عذر النوم . وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى ، والبشر لا يحصون ذلك ، أي لا يطيقون مقادير ذلك ، فتاب عليهم ، أي رجع بهم من الثقل إلى الخفة وأمرهم بقيام ما تيسر . وعلى القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم ، لأنهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة قاموا أدنى من الثلثين ونصفاً وثلثاً ، وقاموا أدنى من النصف وأدنى من الثلث ، فلا تنافي بين القراءتين . وقرأ الجمهور : { وثلثه } بضم اللام ؛ وابن كثير في رواية شبل : بإسكانها ؛ وطائفة : معطوف على الضمير المستكن في { تقوم } ، وحسنة الفصل بينهما . وقوله : { وطائفة من الذين معك } دليل على أنه لم يكن فرضاً على الجميع ، إذ لو كان فرضاً ، لكان التركيب : والذين معك ، إلا إن اعتقد أنهم كان منهم من يقوم في بيته ، ومنهم من يقوم معه ، فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع . { والله يقدر الليل والنهار } : أي هو وحده تعالى العالم بمقادير الساعات . قال الزمخشري : وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنياً عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير . انتهى . وهذا مذهبه ، وإنما استفيد الاختصاص من سياق الكلام لا من تقديم المبتدأ . لو قلت : زيد يحفظ القرآن أو يتفقه في كتاب سيبويه ، لم يدل تقديم المبتدأ على الاختصاص . وأن مخففة من الثقيلة ، والضمير في { تحصوه } ، الظاهر أنه عائد على المصدر المفهوم من يقدر ، أي أن لن تحصوا تقدير ساعات الليل والنهار ، لا تحيطوا بها على الحقيقة . وقيل : الضمير يعود على القيام المفهوم من قوله : { فتاب عليكم } . قيل : فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به . وقيل : رجع بكم من ثقل إلى خف ، ومن عسر إلى يسر ، ورخص لكم في ترك القيام المقدر . { فاقرؤا ما تيسر من القرآن } : عبر بالقراءة عن الصلاة لأنها بعض أركانها ، كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود ، أي فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل . وقيل : وهذا ناسخ للأول ، ثم نسخاً جميعاً بالصلوات الخمس . وهذا الأمر بقوله : { فاقرؤا } ، قال الجمهور : أمر إباحة ، وقال ابن جبير وجماعة : هو فرض لا بد منه ، ولو خمسين آية . وقال الحسن وابن سيرين : قيام الليل فرض ، ولو قدر حلب شاة . وقيل : هو أمر بقراءة القرآن بعينها ، لا كناية عن الصلاة . وإذا كان المراد : فاقرؤا في الصلاة ما تيسر ، فالظاهر أنه لا يتعين ما يقرأ ، بل إذا قرأ ما تيسر له وسهل عليه أجزأه وقدره ، وأبو حنيفة بآية ، حكاه عنه الماوردي ؛ وبثلاث . حكاه ابن العربي ؛ وعين مالك والشافعي ما تيسر ، قالا : هو فاتحة الكتاب ، لا يعدل عنها ولا يقتصر على بعضها . { علم أن سيكون منكم مرضى } : بيان لحكمة النسخ ، وهي تعذر القيام على المرضى ، والضاربين في الأرض للتجارة ، والمجاهدين في سبيل الله ، { فاقرؤا ما تيسر منه } ، كرر ذلك على سبيل التوكيد . ثم أمر بعمودي الإسلام البدني والمالي ، ثم قال : { وأقرضوا الله قرضاً حسناً } : العطف يشعر بالتغاير ، فقوله : { وآتوا الزكاة } أمر بأداء الواجب ، { وأقرضوا الله } : أمر بأداء الصدقات التي يتطوع بها . وقرأ الجمهور : { هو خيراً وأعظم أجراً } بنصبهما ، واحتمل هو أن يكون فصلاً ، وأن يكون تأكيداً لضمير النصب في { تجدوه } . ولم يذكر الزمخشري والحوفي وابن عطية في إعراب هو إلا الفصل . وقال أبو البقاء : هو فصل ، أو بدل ، أو تأكيد . فقوله : أو بدل ، وهم لو كان بدلاً لطابق في النصب فكان يكون إياه . وقرأ أبو السمال وابن السميفع : هو خير وأعظم ، برفعهما على الابتداء أو الخبر . قال أبو زيد : هو لغة بني تميم ، يرفعون ما بعد الفاصلة ، يقولون : كان زيد هو العاقل بالرفع ، وهذا البيت لقيس بن ذريح وهو : @ نحن إلى ليلى وأنت تركتها وكنت عليها بالملا أنت أقدر @@ قال أبو عمرو الجرمي : أنشد سيبويه هذا البيت شاهداً للرفع والقوافي مرفوعة . ويروى : أقدر . وقال الزمخشري : وهو فصل وجاز وإن لم يقع بين معرفتين ، لأن أفعل من أشبه في امتناعه من حرف التعريف المعرفة . انتهى . وليس ما ذكر متفقاً عليه . ومنهم من أجازه ، وليس أفعل من أحكام الفصل ومسائله ، والخلاف الوارد فيها كثير جداً ، وقد جمعنا فيه كتاباً سميناه بالقول الفصل في أحكام الفصل ، وأودعنا معظمه شرح التسهيل من تأليفنا .