Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-26)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال عبد الله وابن عباس ؛ { النازعات } : الملائكة تنزع نفوس بني آدم ، و { غرقاً } : إغراقاً ، وهي المبالغة في الفعل ، أو غرق في جهنم ، يعني نفوس الكفار ، قاله عليّ وابن عباس . وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة وابن كيسان والأخفش : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق . وقال السدّي وجماعة : تنزع بالموت إلى ربها ، وغرقاً : أي إغراقاً في الصدر . وقال السدي أيضاً : النفوس تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها ، ولها نزع عند الموت . وقال عطاء وعكرمة : القسي أنفسها تنزع بالسهام . وقال عطاء أيضاً : الجماعات النازعات بالقسي وغيرها إغراقاً . وقال مجاهد : المنايا تنزع النفوس . وقيل : النازعات : الوحش تنزع إلى الكلأ ، حكاه يحيـى بن سلام . وقيل : جعل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب ، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب ، قاله في الكشاف . { والناشطات } ، قال ابن عباس ومجاهد : الملائكة تنشط النفوس عند الموت ، أي تخلها وتنشط بأمر الله إلى حيث كان . وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والحسن والأخفش : النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، تذهب وتسير بسرعة . وقال مجاهد أيضاً : المنايا . وقال عطاء : البقر الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر . وقال ابن عباس أيضاً : النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج . وقيل : التي تنشط للإزهاق . { والسابحات } ، قال عليّ ومجاهد : الملائكة تتصرّف في الآفاق بأمر الله ، تجيء وتذهب . وقال قتادة والحسن : النجوم تسبح في الأفلاك . وقال أبو روق : الشمس والقمر والليل والنهار . وقال عطاء وجماعة : الخيل ، يقال للفرس سابح . وقيل : السحاب لأنها كالعائمة في الهواء . وقيل : الحيتان دواب البحر فما دونها وذلك من عظم المخلوقات ، فيبدي أنه تعالى أمدّ في الدنيا نوعاً من الحيوان ، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر . وقال عطاء أيضاً : السفن . وقال مجاهد أيضاً : المنايا تسبح في نفوس الحيوان . { فالسابقات } ، قال مجاهد : الملائكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح ، وقاله أبو روق . وقال ابن مسعود : أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها ، وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاء الله تعالى . وقال عطاء : الخيل ، وقيل : النجوم ، وقيل : المنايا تسبق الآمال . { فالمدبرات } ، قال ابن عطية لا أحفظ خلافاً أنها الملائكة ، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها ، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات . انتهى . وقيل : الملائكة الموكلون بالأحوال : جبريل للوحي ، وميكائيل للمطر ، وإسرافيل للنفخ في الصور ، وعزرائيل لقبض الأرواح . وقيل : تدبيرها : نزولها بالحلال والحرام . وقال معاذ : هي الكواكب السبعة ، وإضافة التدبير إليها مجاز ، أي يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك . ولفق الزمخشري من هذه الأقوال أقوالاً اختارها وأدارها أولاً على ثلاثة : الملائكة أو الخيل أو النجوم . ورتب جميع الأوصاف على كل واحد من الثلاثة ، فقال : أقسم سحابة بطوائف الملائكة التي هي تنزع الأرواح من الأجساد ، وبالطوائف التي تنشطها ، أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم ؛ كما رسم لهم غرقاً ، أي إغراقاً في النزع ، أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظافرها . أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها إلى آخر ما نقلناه ؛ ثم قال : من قولك : ثور ناشط ، إذا خرج من بلد إلى بلد ، والتي تسبح في جريتها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر ، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه . أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب ، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط من أقصى المغرب ، والتي تخرج من برج إلى برج ، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً في علم الحساب . وقيل : النازعات : أيدي الغزاة أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام والتي تنشط الإرهاق . انتهى . والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء ، وأن المعطوف بالواو وهو مغاير لما قبله ، كما قرّرناه في المرسلات ، على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو ومن عطف الصفات بعضها على بعض . والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفاً وتقديره : لتبعثن لدلالة ما بعده عليه ، قاله الفراء . وقال محمد بن عليّ الحكيم الترمذي : الجواب : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } ، والمعنى فيما اقتصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى عليه السلام وفرعون . قال ابن الانباري : وهذا قبيح لأن الكلام قد طال . وقيل : اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله : { يوم ترجف الراجفة } ، أي ليوم كذا ، { تتبعها الرادفة } ، ولم تدخل نون التوكيد لأنه قد فصل بين اللام المقدرة والفعل ؛ وقول أبي حاتم هو علي التقديم والتأخير ، كأنه قال : { فإذا هم بالساهرة } . { والنازعات } ، قال ابن الأنباري : خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام . وقيل : التقدير : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } ، { والنـازعات } على التقديم والتأخير أيضاً وليس بشيء . وقيل : الجواب : { هل أتاك حديث موسى } ، لأنه في تقدير قد أتاك وليس بشيء ، وهذا كله إعراب من لم يحكم العربية ، وحذف الجواب هو الوجه ، ويقرب القول بحذف اللام من { يوم ترجف } . قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد : هما الصيحتان ، أي النفختان ، الأولى تميت كل شيء ، وفي الثانية تحيـي . وقال مجاهد أيضاً : الواجفة : الزلزلة ، والرادفة : الصيحة . وقال ابن زيد : الواجفة : الأرض ، والرادفة : الساعة ، والعامل في يوم اذكر مضمرة ، أو لتبعثن المحذوف ؛ واليوم متسع تقع فيه النفختان ، وهم يبعثون في بعض ذلك اليوم المتسع ، وتتبعها حال . قيل : أو مستأنف . واجفة : مضطربة ، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق ، ومنه قول قيس بن الخطيم : @ إن بني حجباً وأسرتهم أكبادنا من ورائهم تجف @@ { قلوب } : مبتدأ ، { واجفة } : صفة تعمل في { يومئذ } ، { أبصارها } : أي أبصار أصحاب القلوب ، { خاشعة } : مبتدأ وخبر في موضع خبر { قلوب } . وقال ابن عطية : رفع قلوب بالابتداء ، وجاز ذلك ، وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله : { يومئذ } . انتهى . ولا تتخصص الأجرام بظروف الزمان ، وإنما تخصصت بقوله : { واجفة } . { يقولون } : حكاية حالهم في الدنيا ، والمعنى : هم الذين يقولون . و { الحافرة } ، قال مجاهد : فاعلة بمعنى مفعولة . وقيل : على النسب ، أي ذات حفر ، والمراد القبور ، أي لمردودون أحياء في قبورنا . وقال زيد بن أسلم : الحافرة : النار . وقيل : جمع حافرة بمعنى القدم ، أي أحياء نمشي على أقدامنا ونطأ بها الأرض . وقال ابن عباس : الحياة الثانية هي أول الأمر ، وتقول التجار : النقد في الحافرة ، أي في ابتداء السوم . وقال الشاعر : @ آليت لا أنساكم فاعلموا حتى ترد الناس في الحافرة @@ وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة : في الحفرة بغير ألف ؛ والجمهور : بالألف . وقيل : هما بمعنى واحد . وقيل : هي الأرض المنبتة المتغيرة بأجساد موتاها ، من قولهم : حفرت أسنانه إذا تآكلت وتغيرت . وقرأ عمر وأبي وعبد الله وابن الزبير وابن عباس ومسروق ومجاهد والأخوان وأبو بكر : ناخرة بألف ؛ وأبو رجاء والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة والسلمي وابن جبير والنخعي وقتادة وابن وثاب وأيوب وأهل مكة وشبل وباقي السبعة : بغير ألف . { قالوا تلك إذاً } : أي الردة إلى الحافرة إن رددنا ، { كرة خاسرة } : أي قالوا ذلك لتكذيبهم بالغيب ، أي لو كان هذا حقاً ، لكانت ردتنا خاسرة ، إذ هي إلى النار . وقال الحسن : خاسرة : كاذبة ، أي ليست بكافية ، وهذا القول منهم استهزاء . وروي أن بعض صناديد قريش قال ذلك . { فإنما هي زجرة واحدة } لما تقدم . { يقولون أئنا لمردودون } : تضمن قولهم استبعاد النشأة الثانية واستضعاف أمرها ، فجاء قوله : { فإنما } مراعاة لما دل عليه استبعادهم ، فكأنه قيل : ليس بصعب ما تقولون ، فإنما هي نفخة واحدة ، فإذا هم منشورون أحياء على وجه الأرض . قال ابن عباس : الساهرة أرض من فضة يخلقها الله تعالى . وقال وهب بن منبه : جبل بالشام يمده الله تعالى يوم القيامة لحشر الناس . وقال أبو العالية وسفيان : أرض قريبة من بيت المقدس . وقال ابن عباس : أرض مكة . وقال قتادة : جهنم ، لأنه لا نوم لمن فيها . رأى أن الضمائر قبلها إنما هي للكفار ففسرها بجهنم . وقيل : الأرض السابعة يأتي بها الله يحاسب عليها الخلائق . ولما أنكروا البعث وتمردوا ، شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقص تعالى عليه قصة موسى عليه السلام ، وتمرد فرعون على الله عز وجل حتى ادعى الربوبية ، وما آل إليه حال موسى من النجاة ، وحال فرعون من الهلاك ، فكان ذلك مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبشيراً بهلاك من يكذبه ، ونجاته هو من أذاهم . فقال تعالى : { هل أتاك } ، توقيفاً له على جمع النفس لما يلقيه إليه ، وتقدم الكلام في الوادي المقدس ، والخلاف في القراآت في { طوى } . { اذهب إلى فرعون } : تفسير للنداء ، أو على إضمار القول ، { فقل هل لك إلى أن تزكى } : لطف في الاستدعاء لأن كل عاقل يجيب مثل هذا السؤال بنعم ، وتزكى : تتحلى بالفضائل وتتطهر من الرذائل ، والزكاة هنا يندرج فيها الإسلام وتوحيد الله تعالى . وقرأ الحرميان وأبو عمرو : بخلاف تزكى وتصدى ، بشد الزاي والصاد ؛ وباقي السبعة : بخفها . وتقول العرب : هل لك في كذا ، أو هل إلى كذا ؟ فيحذفون القيد الذي تتعلق به إلى ، أي هل لك رغبة أو حاجة إلى كذا ؟ أو سبيل إلى كذا ؟ قال الشاعر : @ فهل لكم فيها إليّ فإنني بصير بما أعيا النطاسي خديما @@ { وأهديك إلى ربك فتخشى } : هذا تفسير للتزكية ، وهي الهداية إلى توحيد الله تعالى ومعرفته ، { فتخشى } : أي تخافه ، لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة ، { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر ، وفي الكلام حذف ، أي فذهب وقال له ما أمره به ربه ، وأتبع ذلك بالمعجزة الدالة على صدقه . { فأراه الآية الكبرى } : وهي العصا واليد ، جعلهما واحدة ، لأن اليد كأنها من جملة العصا لكونها تابعة لها ، أو العصا وحدها لأنها كانت المقدمة ، والأصل واليد تبع لها ، لأنه كان يتقيها بيده . وقيل له { وأدخل يدك في جيبك } [ النمل : 12 ] { فكذب } : أي فرعون موسى عليه السلام وما أتى به من المعجز ، وجعل ذلك من باب السحر ، { وعصى } الله تعالى بعدما علم صحة ما أتى به موسى ، وإنما أوهم أنه سحر . { ثم أدبر يسعى } ، قيل : أدبر حقيقة ، أي قام من مكانه فاراً بنفسه . وقال الجمهور : هو كناية عن إعراضه عن الإيمان . { يسعى } : يجتهد في مكايدة موسى عليه السلام . { فحشر } : أي جمع السحرة وأرباب دولته ، { فنادى } : أي قام فيهم خطيباً ، أو فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه . { فقال أنا ربكم الأعلى } ، قال ابن عطية : قول فرعون ذلك نهاية في المخرقة ، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم . انتهى . وإنما قال ذلك لأن ملك مصر في زمانه كان اسماعيلياً ، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم ، وكأن أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله ، ولاهم العاضد وطهر الله مصر من هذا المذهب الملعون بظهورالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن سادي ، رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيراً . { فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى } ، قال ابن عباس : الآخرة قوله : { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] والأولى قوله : { أنا ربكم الأعلى } . وقيل العكس ، وكان بين قولتيه أربعون سنة . وقال الحسن وابن زيد : نكال الآخرة بالحرق ، والأولى يعني الدنيا بالغرق . وقال مجاهد : عذاب آخرة حياته وأولاها . وقال أبو زرين : الأولى كفره وعصيانه ، والآخرة قوله : { أنا ربكم الأعلى } . وقال مجاهد عبارة عن أول معاصيه ، وآخرها : أي نكل بالجميع ، وانتصب نكال على المصدر والعامل فيه { فأخذه } لأنه في معناه وعلى رأي المبرد : بإضمار فعل من لفظه ، أي نكل نكال ، والنكال بمعنى التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم . وقال الزمخشري : { نكال الآخرة } هو مصدر مؤكد ، كـ { وعد الله } [ النساء : 122 ، يونس : 4 ] و { صبغة الله } [ البقرة : 138 ] كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة والأولى . انتهى . والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من معنى الجملة . { إن في ذلك } : فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذ ، { لعبرة } : لعظة ، { لمن يخشى } : أي لمن يخاف عقوبة الله يوم القيامة وفي الدنيا .