Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-36)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى أمر كتاب الفجار ، عقبه بذكر كتاب ضدهم ليتبين الفرق . عليون : جمع واحده عليّ ، مشتق من العلو ، وهو المبالغة ، قاله يونس وابن جني . قال أبو الفتح : وسبيله أن يقال علية ، كما قالوا للغرفة علية ، فلما حذفت التاء عوضوا منها الجمع بالواو والنون . وقيل : هو وصف للملائكة ، فلذلك جمع بالواو والنون . وقال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع ، ولا واحد له من لفظه ، كقوله : عشرين وثلاثين ؛ والعرب إذا جمعت جمعاً ، ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية ، قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون . وقال الزجاج : أعرب هذا الاسم كإعراب الجمع ، هذه قنسرون ، ورأيت قنسرين . وعليون : الملائكة ، أو المواضع العلية ، أو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما علمته الملائكة وصلحاء الثقلين ، أو علو في علو مضاعف ، أقوال ثلاثة للزمخشري . وقال أبو مسلم : { كتاب الأبرار } : كتابة أعمالهم ، { لفي عليين } . ثم وصف عليين بأنه { كتاب مرقوم } فيه جميع أعمال الأبرار . وإذا كان مكاناً فاختلفوا في تعيينه اختلافاً مضطرباً رغبنا عن ذكره . وإعراب { لفي عليين } ، و { كتاب مرقوم } كإعراب { لفي سجين } ، و { كتاب مرقوم } . وقال ابن عطية : و { كتاب مرقوم } في هذه الآية خبر إن والظرف ملغى . انتهى . هذا كما قال في { لفي سجين } ، وقد رددنا عليه ذلك وهذا مثله . والمقربون هنا ، قال ابن عباس وغيره : هم الملائكة أهل كل سماء ، { ينظرون } ، قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : إلى ما أعد لهم من الكرامات . وقال مقاتل : إلى أهل النار . وقيل : ينظر بعضهم إلى بعض . وقرأ الجمهور : { تعرِف } بتاء الخطاب ، للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو للناظر . { نضرة النعيم } ، نصباً . وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة وشيبة ويعقوب والزعفراني : تعرف مبنياً للمفعول ، نضرة رفعاً ؛ وزيد بن عليّ : كذلك ، إلا أنه قرأ : يعرف بالياء ، إذ تأنيث نضرة مجازي ؛ والنضرة تقدّم شرحها في قوله : { نضرة وسروراً } [ الإنسان : 11 ] { مختوم } ، الظاهر أن الرحيق ختم عليه تهمماً وتنظفاً بالرائحة المسكية ، كما فسره ما بعده . وقيل : تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة . وقرأ الجمهور : { ختامه } : أي خلطه ومزاجه ، قاله عبد الله وعلقمة . وقال ابن عباس وابن جبير والحسن : معناه خاتمته ، أي يجد الرائحة عند خاتمة الشراب ، رائحة المسك . وقال أبو عليّ : أي إبزاره المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم . وقيل : يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك . وفي الصحاح : الختام : الطين الذي يختم به ، وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدل الطين ، وقال الشاعر : @ كأن مشعشعاً من خمر بصرى نمته البحث مشدود الختام @@ وقرأ عليّ والنخعي والضحاك وزيد بن عليّ : وأبو حيوة وابن أبي عبلة والكسائي : خاتمه ، بعد الخاء ألف وفتح التاء ، وهذه بينة المعنى ، إنه يراد بها الطبع على الرحيق . وعن الضحاك وعيسى وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي : كسر التاء ، أي آخره مثل قوله : { وخاتم النبيين } [ الأحزاب : 40 ] وفيه حذف ، أي خاتم رائحته المسك ؛ أو خاتمه الذي يختم به ويقطع . { من تسنيم } ، قال عبد الله وابن عباس : هو أشرف شراب الجنة ، وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة . وقال الزمخشري : { تسنيم } : علم لعين بعينها ، سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه . و { عيناً } نصب على المدح . وقال الزجاج : على الحال . انتهى . وقال الأخفش : يسقون عيناً ، { يشرب بها } : أي يشربها أو منها ، أو ضمن يشرب معنى يروى بها أقوال . { المقرّبون } ، قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وأبو صالح : يشربها المقربون صرفاً ويمزج للأبرار . ومذهب الجمهور : الأبرار هم أصحاب اليمين ، وأن المقرّبين هم السابقون . وقال قوم : الأبرار والمقرّبون في هذه الآية بمعنى واحد يقع لكل من نعم في الجنة . وروي أن علياً وجمعاً معه من المؤمنين مروا بجمع من كفار قريش ، فضحكوا منهم واستخفوا بهم عبثاً ، فنزلت : { إن الذين أجرموا } ، قبل أن يصل عليّ رضي الله تعالى عنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكفار مكة هؤلاء قيل هم : أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ؛ والمؤمنون : عمار ، وصهيب ، وخباب ، وبلال ، وغيرهم من فقراء المؤمنين . والظاهر أن الضمير في { مروا } عائد على { الذين أجرموا } ، إذ في ذلك تناسق الضمائر لواحد . وقيل : للمؤمنين ، أي وإذا مرّ المؤمنون بالكافرين يتغامز الكافرون ، أي يشيرون بأعينهم . و { فكهين } : أي متلذذين بذكرهم وبالضحك منهم . وقرأ الجمهور : فاكهين بالألف ، أي أصحاب فاكهة ومزح وسرور باستخفافهم بأهل الإيمان ؛ وأبو رجاء والحسن وعكرمة وأبو جعفر وحفص : بغير ألف ، والضمير المرفوع في { رأوهم } عائد على المجرمين ، أي إذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال ، وهم محقون في نسبتهم إليه . { وما أرسلوا } على الكفار ، { حافظين } . وفي الإشارة إليهم بأنهم ضالون إثارة للكلام بينهم . وكان في الآية بعض موادعة ، أي إن المؤمنين لم يرسلوا حافظين على الكفار ، وهذا على القول بأن هذا منسوخ بآية السيف . وقال الزمخشري : وإنهم لم يرسلوا عليهم حافظين ، إنكاراً لصدّهم إياهم عن الشرك ، ودعائهم إلى الإسلام ، وجدهم في ذلك . ولما تقدّم ذكر يوم القيامة قيل : { فاليوم الذين آمنوا } ، واليوم منصوب بيضحكون منهم في الآخرة ، وينظرون حال من الضمير في يضحكون ، أي يضحكون ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والعذاب بعد العزة والنعيم . وقال كعب لأهل الجنة : كوى ينظرون منها إلى أهل النار . وقيل : ستر شفاف بينهم يرون منه حالهم . { هل ثوب } : أي هل جوزي ؟ يقال : ثوبه وأثابه إذا جازاه ، ومنه قول الشاعر : @ سأجزيك أو يجزيك عني مثوب وحسبك أن يثني عليك وتحمد @@ وهو استفهام بمعنى التقرير للمؤمنين ، أي هل جوزوا بها ؟ وقيل : { هل ثوب } متعلق بينظرون ، وينظرون معلق بالجملة في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر الذي هو إلى . وقرأ الجمهور : { هل ثوب } بإظهار لام هل ؛ والنحويان وحمزة وابن محيصن : بإدغامها في الثاء ؛ وفي قوله : { ما كانوا } حذف تقديره جزاء أو عقاب : { ما كانوا يفعلون } .