Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-1)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرّاء المدينة والبصرة والشأم وفقهاؤها على أنّ التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها ، كما بدىء بذكرها في كل أمر ذي بال ، وهو مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - ومن تابعه ، ولذلك لا يجهر بها عندهم في الصلاة . وقرّاء مكة والكوفة وفقهاؤهما على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة ، وعليه الشافعي وأصحابه رحمهم الله ، ولذلك يجهرون بها . وقالوا قد أثبتها السلف في المصحف مع توصيتهم بتجريد القرآن ، ولذلك لم يثبتوا { آَمِينٌ } فلولا أنها من القرآن لما أثبتوها . وعن ابن عباس « من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله تعالى » . فإن قلت بم تعلقت الباء ؟ قلت بمحذوف تقديره بسم الله اقرأ أو أتلو لأنّ الذي يتلو التسمية مقروء ، كما أنّ المسافر إذا حلّ أو ارتحل فقال بسم الله والبركات ، كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل وكذلك الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله بـــ « بسم الله » كان مضمراً ما جعل التسمية مبدأ له . ونظيره في حذف متعلق الجارّ قوله عزّ وجلّ { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } النمل 12 ، أي اذهب في تسع آيات . وكذلك قول العرب في الدعاء للمعرس بالرفاء والبنين ، وقول الأعرابي باليمن والبركة ، بمعنى أعرست ، أو نكحت . ومنه قوله @ فقُلْتُ إلى الطَّعام فقَالَ مِنْهُم فَرِيقٌ نحْسُدُ الإِنْسَ الطَّعَامَا @@ فإن قلت لم قدّرت المحذوف متأخراً ؟ قلت لأنّ الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به لأنهم كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات ، باسم العزى ، فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله عزّ وجلّ بالابتداء ، وذلك بتقديمه وتأخير الفعل كما فعل في قوله { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، حيث صرح بتقديم الاسم إرادة للاختصاص . والدليل عليه قوله { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } هود 41 . فإن قلت فقد قال { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } العلق 1 ، فقدّم الفعل . قلت هناك تقديم الفعل أوقع لأنها أوّل سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم . فإن قلت ما معنى تعلق اسم الله بالقراءة ؟ قلت فيه وجهان أحدهما أن يتعلق بها تعلق القلم بالكتبة في قولك كتبت بالقلم ، على معنى أنّ المؤمن لما اعتقد أنّ فعله لا يجيء معتداً به في الشرع ، واقعاً على السنة حتى يصدر بذكر اسم الله لقوله عليه الصلاة والسلام 1 " كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " إلا كان فعلا كلا فعل ، جعل فعله مفعولاً باسم الله كما يفعل الكتب بالقلم . والثاني أن يتعلق بها تعلق الدهن بالإنبات في قوله { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } المؤمنون 20 على معنى متبرّكاً بسم الله أقرأ ، وكذلك قول الداعي للمعرس بالرفاء والبنين ، معناه أعرست ملتبساً بالرفاء والبنين ، وهذا الوجه أعرب وأحسن فإن قلت فكيف قال الله تبارك وتعالى متبركاً باسم الله أقرأ ؟ قلت هذا مقول على ألسنة العباد ، كما يقولُ الرجل الشعر على لسان غيره ، وكذلك { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } إلى آخره ، وكثير من القرآن على هذا المنهاج ، ومعناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه ، وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه . فإن قلت من حق حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد أن تبنى على الفتحة التي هي أخت السكون ، نحو كاف التشبيه ولام الابتداء وواو العطف وفائه وغير ذلك ، فما بال لام الإضافة وبائها بنيتا على الكسر ؟ قلت أما اللام فللفصل بينها وبين لام الابتداء ، وأما الباء فلكونها لازمة للحرفية والجر ، والاسم أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون ، فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة ، لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن إذا كان دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك ويقفوا على الساكن ، لسلامة لغتهم من كل لكنة وبشاعة ، ولوضعها على غاية من الإحكام والرصانة ، وإذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلى زيادة شيء . ومنهم من لم يزدها واستغنى عنها بتحريك الساكن ، فقال سم وسم . قال @ بِاسْمِ الذِي في كلِّ سُورةٍ سِمُهْ @@ وهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز كيد ودم ، وأصله سمو ، بدليل تصريفه كأسماء ، وسمي ، وسميت ، واشتقاقه من السمو ، لأنّ التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره ، ومنه قيل للقب النبز من النبز بمعنى النبر ، وهو رفع الصوت . والنبز قشر النخلة الأعلى . فإن قلت فلم حذفت الألف في الخط وأثبتت في قوله باسم ربك ؟ قلت قد اتبعوا في حذفها حكم الدرج دون الابتداء الذي عليه وضع الخط لكثرة الاستعمال ، وقالوا طُوِّلَتِ الباء تعويضاً من طرح الألف . وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال لكاتبه طوّل الباء وأظهر السنات ودوّر الميم . والله أصله الإله . قال @ مَعَاذَ الإِلهِ أَنْ تَكُونَ كظَبْيَةٍ @@ ونظيره الناس ، أصله الأناس . قال @ إنَّ المَنايَا يَطَّلِعْـ ـنَ عَلَى الأنَاسِ الآمِنِينَا @@ فحذفت الهمزة وعوّض منها حرف التعريف ، ولذلك قيل في النداء يا ألله بالقطع ، كما يقال يا إله ، والإله ـــ من أسماء الأجناس كالرجل والفرس ـــ اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بحق ، كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا ، وكذلك السنة على عام القحط ، والبيت على الكعبة ، والكتاب على كتاب سيبويه . وأما الله بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق ، لم يطلق على غيره . ومن هذا الاسم اشتق تأله ، وأله ، واستأله . كما قيل استنوق ، واستحجر ، في الاشتقاق من الناقة والحجر . فإن قلت أاسم هو أم صفة ؟ قلت بل اسم غير صفة ، ألا تراك تصفه ولا تصف به ، لا تقول شيء إله ، كما لا تقول شيء رجل . وتقول إلٰه واحد صمد ، كما تقول رجل كريم خير . وأيضاً فإنّ صفاته تعالى لا بدّ لها من موصوف تجرى عليه ، فلو جعلتها كلها صفات بقيت غير جارية على اسم موصوف بها وهذا محال . فإن قلت هل لهذا الاسم اشتقاق ؟ قلت معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعداً معنى واحد ، وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله ، إذا تحير ، ومن أخواته دله ، وعله ، ينتظمهما معنى التحير والدهشة ، وذلك أنّ الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ، ولذلك كثر الضلال ، وفشا الباطل ، وقل النظر الصحيح . فإن قلت هل تفخم لأمه ؟ قلت نعم قد ذكر الزجاج أنّ تفخيمها سنة ، وعلى ذلك العرب كلهم ، وإطباقهم عليه دليل أنهم ورثوه كابراً عن كابر . والرحمٰن فعلان من رحم ، كغضبان وسكران ، من غضب وسكر ، وكذلك الرحيم فعيل منه ، كمريض وسقيم ، من مرض وسقم ، وفي الرحمٰن من المبالغة ما ليس في الرحيم ، ولذلك قالوا رحمٰن الدنيا والآخرة ، ورحيم الدنيا ، ويقولون إنّ الزيادة في البناء لزيادة المعنى . وقال الزّجّاج في الغضبان هو الممتلىء غضباً . ومما طنّ على أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركباً من مراكبهم بالشقدف ؟ وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق ، فقلت في طريق الطائف منهم لرجل ما اسم هذا المحمل ؟ أردت المحمل العراقي فقال أليس ذاك اسمه الشقدف ؟ قلت بلى ، فقال هذا اسمه الشقنداف ، فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى ، وهو من الصفات الغالبة ـــ كالدبران ، والعيوق ، والصعق ـــ لم يستعمل في غير الله عزّ وجلّ ، كما أنّ الله من الأسماء الغالبة . وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمان اليمامة ، وقول شاعرهم فيه @ وأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لا زِلْتَ رَحْمَانَا @@ فباب من تعنتهم في كفرهم . فإن قلت كيف تقول الله رحمٰن ، أتصرفه أم لا ؟ قلت أقيسه على أخواته من بابه ، أعني نحو عطشان ، وغرثان ، وسكران ، فلا أصرفه . فإن قلت قد شرط في امتناع صرف فعلان أن يكون فعلان فعلى واختصاصه بالله يحظر أن يكون فعلان فعلى ، فلم تمنعه الصرف ؟ قلت كما حظر ذلك أن يكون له مؤنث على فعلى كعطشى فقد حظر أن يكون له مؤنث على فعلانة كندمانة ، فإذاً لا عبرة بامتناع التأنيث للاختصاص العارض فوجب الرجوع إلى الأصل قبل الاختصاص وهو القياس على نظائره . فإن قلت ما معنى وصف الله تعالى بالرحمة ومعناها العطف والحنوّ ومنها الرحم لانعطافها على ما فيها ؟ قلت هو مجاز عن إنعامه على عباده لأنّ الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه ، كما أنه إذا أدركته الفظاظة والقسوة عنف بهم ومنعهم خيره ومعروفه . فإن قلت فلم قدّم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه ، والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقولهم فلان عالم نحرير ، وشجاع باسل ، وجواد فياض ؟ قلت لما قال الرَّحْمَنِ فتناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها ، أردفه الرحيم كالتتمة والرديف ليتناول ما دقّ منها ولطف .