Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 2-3)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحمد والمدح أخوان ، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها . تقول حمدت الرجل على إنعامه ، وحمدته على حسبه وشجاعته . وأمّا الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال @ أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّي ثلاثة يَدِي ولِسَانِي والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا @@ والحمد باللسان وحده ، فهو إحدى شعب الشكر ، ومنه قوله عليهالصلاة و السلام 2 " الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لم يحمده " وإنما جعله رأس الشكر لأنّ ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها ، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب ، وما في عمل الجوارح من الاحتمال ، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كلّ خفي ويجلي كل مشتبه . والحمد نقيضه الذمّ ، والشكر نقيضه الكفران ، وارتفاع الحمد بالابتداء وخبره الظرف الذي هو « لله » وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله على أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار ، كقولهم شكراً ، وكفراً ، وعجباً ، وما أشبه ذلك ، ومنها سبحانك ، ومعاذ الله ، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدّون بها مسدّها ، لذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة ، والعدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى واستقراره . ومنه قوله تعالى { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } هود 69 ، رفع السلام الثاني للدلالة على أنّ إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدّده وحدوثه . والمعنى نحمد الله حمداً ، ولذلك قيل { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لأنه بيان لحمدهم له ، كأنه قيل كيف تحمدون ؟ فقيل إياك نعبد . فإن قلت ما معنى التعريف فيه ؟ قلت هو نحو التعريف في أرسلها العراك ، وهو تعريف الجنس ، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو ، والعراك ما هو ، من بين أجناس الأفعال . والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم . وقرأ الحسن البصري { ٱلْحَمْدُ ِللَّهِ } بكسر الدال لإتباعها اللام . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة { ٱلْحَمْدُ ِللَّهِ } بضم اللام لإتباعها الدال ، والذي جسرهما على ذلك ـــ والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة ـــ تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين ، وأشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى ، بخلاف قراءة الحسن . الرب المالك . ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن . تقول ربه يربه فهو رب ، كما تقول نمّ عليه ينمّ فهو نمّ . ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ، ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده ، وهو في غيره على التقيد بالإضافة ، كقولهم رب الدار ، ورب الناقة ، وقوله تعالى { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبّكَ } يوسف 50 ، { إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ } يوسف 23 . وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بالنصب على المدح وقيل بما دل عليه الحمد لله كأنه قيل نحمد الله رب العالمين . العالم اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين ، وقيل كل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض . فإن قلت لم جمع ؟ قلت ليشمل كل جنس مما سمي به . فإن قلت هو اسم غير صفة ، وإنما تجمع بالواو والنون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام . قلت ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم .