Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 91-95)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَا نَفْقَهُ } ما نفهم { كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ } لأنهم كانوا لا يلقون إليه أذهانهم رغبة عنه وكراهية له ، كقوله { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } الأنعام 25 . أو كانوا يفقهونه ولكنهم لم يقبلوه ، فكأنهم لم يفقهوه . وقالوا ذلك على وجه الاستهانة به ، كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبأ بحديثه ما أدري ما تقول أو جعلوا كلامه هذياناً وتخليطاً ، لا ينفعهم كثير منه ، وكيف لا ينفعهم كلامه وهو خطيب الأنبياء ، وقيل كان ألثغ { فِينَا ضَعِيفًا } لا قوة لك ولا عز فيما بيننا ، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروهاً . وعن الحسن { ضَعِيفاً } مهيناً . وقيل { ضَعِيفاً } أعمى . وحمير تسمى المكفوف ضعيفاً ، كما يسمى ضريراً ، وليس بسديد لأنّ { فِينَا } يأباه . ألا ترى أنه لو قيل إنا لنراك فينا أعمى ، لم يكن كلاماً لأن الأعمى أعمى فيهم وفي غيرهم ، ولذلك قللوا قومه حيث جعلوهم رهطاً . والرهط من الثلاثة إلى العشرة . وقيل إلى السبعة . وإنما قالوا ولولاهم ، احتراماً لهم واعتداداً بهم لأنهم كانوا على ملتهم ، لا خوفا من شوكتهم وعزتهم { لَرَجَمْنَـٰكَ } لقتلناك شرّ قتلة { وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أي لا تعزّ علينا ولا تكرم ، حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم . وإنما يعزّ علينا رهطك ، لأنهم من أهل ديننا لم يختاروك علينا ولم يتبعوك دوننا ، وقد دلّ إيلاء ضميره حرف النفي على أنّ الكلام واقع في الفاعل لا في الفعل ، كأنه قيل وما أنت علينا بعزيز ، بل رهطك هم الأعزة علينا ، ولذلك قال في جوابهم { أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱللَّهِ } ولو قيل وما عززت علينا ، لم يصح هذا الجواب . فإن قلت فالكلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه ، فكيف صح قوله { أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱللَّهِ } قلت تهاونهم به - وهو نبيّ الله - تهاون بالله ، فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله . ألا ترى إلى قوله تعالى { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } النساء 80 ، { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً } ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به ، والظهريّ منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب . ونظيره قولهم في النسبة إلى أمس أمسي { بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } قد أحاط بأعمالكم علماً ، فلا يخفى عليه شيء منها { عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } لا تخلو المكانة من أن تكون بمعنى المكان ، يقال مكان ومكانة ، ومقام ومقامة . أو تكون مصدراً من مكن مكانة فهو مكين . والمعنى اعملوا قارّين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك والشنآن لي . أو اعملوا متمكنين من عداوتي مطيقين لها { إِنّى عَـٰمِلٌ } على حسب ما يؤتيني الله من النصرة والتأييد ويمكنني { مَن يَأْتِيهِ } يجوز أن تكون { مَن } استفهامية ، معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كأنه قيل سوف تعلمون أينا يأتيه عذاب يخزيه ، وأينا هو كاذب ، وأن تكون موصولة قد عمل فيها ، كأنه قيل سوف تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب . فإن قلت أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ؟ قلت إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ، ونزعها وصل خفي تقديريّ بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدّر ، كأنهم قالوا فماذا يكون إن عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت ؟ فقال سوف تعلمون ، فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف ، للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب ، وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف ، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه { وَٱرْتَقِبُواْ } وانتظروا العاقبة وما أقول لكم { إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ } أي منتظر . والرقيب بمعنى الراقب ، من رقبه ، كالضريب والصريم بمعنى الضارب والصارم . أو بمعنى المراقب ، كالعشير والنديم ، أو بمعنى المرتقب ، كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع . فإن قلت قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته ، ثم أتبعه ذكر عاقبة العاملين منه ومنهم ، فكان القياس أن يقول من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو صادق . حتى ينصرف من يأتيه عذاب يخزيه إلى الجاحدين ، ومن هو صادق إلى النبي المبعوث إليهم ، قلت القياس ما ذكرت ، ولكنهم لما كانوا يدعونه كاذباً قال { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } يعني في زعمكم ودعواكم ، تجهيلا لهم . فإن قلت ما بال ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو ، والساقتان الوسطيان بالفاء ؟ قلت قد وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعد ، وذلك قوله { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } هود 81 ، { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } هود 65 فجيء بالفاء الذي هو للتسبيب ، كما تقول وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت . وأما الأخريان فلم تقعا بتلك المثابة . وإنما وقعتا مبتدأتين ، فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما كما تعطف قصة على قصة . الجاثم اللازم لمكانه لا يريم ، كاللابد يعني أن جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم بحيث هو قعصا { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ } كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين . البعد بمعنى البعد وهو الهلاك ، كالرشد بمعنى الرشد . ألا ترى إلى قوله { كَمَا بَعِدَتْ } ؟ وقرأ السلمي « بعدت » بضم العين ، والمعنى في البناءين واحد ، وهو نقيض القرب ، إلا أنهم أرادوا التفصلة بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره ، فغيروا البناء كما فرقوا بين ضماني الخير والشر فقالوا وعد وأوعد ، وقراءة السلمي جاءت على الأصل اعتباراً لمعنى البعد من غير تخصيص ، كما يقال ذهب فلان ومضى ، في معنى الموت . وقيل معناه بعداً لهم من رحمة الله كما بعدت ثمود منها .