Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 25-29)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱسُتَبَقَا ٱلْبَابَ } وتسابقا إلى الباب على حذف الجارّ وإيصال الفعل ، كقوله { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } الأعراف 155 أو على تضمين « استبقا » معنى « ابتدرا » نفر منها يوسف ، فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج . فإن قلت كيف وجد الباب ، وقد جمعه في قوله { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } يوسف 23 قلت أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار والمخلص من العار ، فقد روى كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الأبواب { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } اجتذبته من خلفه فانقد ، أي انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا } وصادفا بعلها وهو قطفير ، تقول المرأة لبعلها سيدي . وقيل إنما لم يقل سيدهما ، لأنّ ملك يوسف لم يصح ، فلم يكن سيداً له على الحقيقة . قيل ألفياه مقبلاً يريد أن يدخل . وقيل جالساً مع ابن عمّ للمرأة . لما اطلع منها زوجها على تلك الهيئة المريبة وهي مغتاظة على يوسف إذ لم يؤاتها جاءت بحيلة جمعت فيها غرضيها وهما تبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة والغضب على يوسف ، وتخويفه طمعاً في أن يؤاتيها خيفة منها ومن مكرها ، وكرها لما أيست من مؤاتاته طوعاً . ألا ترى إلى قولها { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ } يوسف 32 و « ما » نافية ، أي ليس جزاؤه إلا السجن . ويجوز أن تكون استفهامية ، بمعنى أي شيء جزاؤه إلا السجن ، كما تقول مَنْ في الدار إلا زيد . فإن قلت كيف لم تصرح في قولها بذكر يوسف ، وإنه أراد بها سوءاً ؟ قلت قصدت العموم ، وأنّ كل من أراد بأهلك سوءاً فحقه أن يسجن أو يعذب ، لأنّ ذلك أبلغ فيما قصدته من تخويف يوسف . وقيل العذاب الأليم الضرب بالسياط . ولما أغرت به وعرّضته للسجن والعذاب وجب عليه الدفع عن نفسه فقال { هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى } ولولا ذلك لكتم عليها { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا } قيل كان ابن عمّ لها ، إنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة عنه . وقيل هو الذي كان جالساً مع زوجها لدى الباب . وقيل كان حكيماً يرجع إليه الملك ويستشيره ويجوز أن يكون بعض أهلها كان في الدار فبصر بها من حيث لا تشعر ، فأغضبه الله ليوسف بالشهادة له والقيام بالحق . وقيل كان ابن خال لها صبياً في المهد . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 541 " تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى " فإن قلت لم سمي قوله شهادة وما هو بلفظ الشهادة ؟ قلت لما أدّى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها سمي شهادة فإن قلت الجملة الشرطية كيف جازت حكايتها بعد فعل الشهادة ؟ قلت لأنها قول من القول ، أو على إرادة القول ، كأنه قيل وشهد شاهد فقال إن كان قميصه . فإن قلت إن دل قدّ قميصه من دبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتبذت ثوبه إليها فقدّته ، فمن أين دل قدّه من قبل على أنها صادقة ، وأنه كان تابعها ؟ قلت من وجهين ، أحدهما أنه إذا كان تابعها وهي دافعته عن نفسها قدت قميصه من قدّامه بالدفع . والثاني أن يسرع خلفها ليلحقها فيتعثر في مقادم قميصه فيشقه . وقرىء « من قبل » ومن دبر ، بالضم على مذهب الغايات . والمعنى من قبل القميص ومن دبره . وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها قبل ، ومن جهة يقال لها دبر . وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ « من قبل » و « من دبر » بالفتح ، كأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث . وقرئا بسكون العين . فإن قلت كيف جاز الجمع بين « إن » الذي هو للاستقبال وبين « كان » ؟ قلت لأنّ المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قدّ ، ونحوه كقولك إن أحسنت إليّ فقد أحسنت إليك من قبل ، لمن يمتن عليك بإحسانه ، تريد إن تمتن عليَّ أمتنَّ عليك { فَلَماَّ رَّءَا } يعني قطفير وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها { قَالَ إِنَّهُ } إن قولك { مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا } أو إنّ الأمر وهو طمعها في يوسف { مِن كَيْدِكُنَّ } الخطاب لها ولأمتها . وإنما استعظم كيد النساء لأنه وإن كان في الرجال ، إلا أنّ النساء ألطف كيداً وأنفذ حيلة . ولهنّ في ذلك نيقة ورفق ، وبذلك يغلبن الرجال . ومنه قوله تعالى { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } الفلق 4 والقصريات من بينهنّ معهنّ ما ليس مع غيرهنّ من البوائق وعن بعض العلماء أنا أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان ، لأنّ الله تعالى يقول { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } النساء 76 وقال للنساء { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } . { يُوسُفَ } حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } الأمر واكتمه ولا تحدّث به { وَٱسْتَغْفِرِى } أنت { لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ } من جملة القوم المتعمدين للذنب . يقال خطىء ، إذا أذنب متعمداً ، وإنما قال { مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ } بلفظ التذكير تغليباً للذكور على الإناث ، وما كان العزيز إلا رجلاً حليماً . وروي أنه كان قليل الغيرة .