Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-32)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ } وقال جماعة من النساء وكنّ خمساً امرأة الساقي ، وامرأة الخباز ، وامرأة صاحب الدواب ، وامرأة صاحب السجن ، وامرأة الحاجب . والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة ، ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث . وفيه لغتان كسر النون وضمها { فِى ٱلْمَدِينَةِ } في مصر { ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ } يردن قطفير ، والعزيز الملك بلسان العرب { فَتَـٰهَا } غلامها . يقال فتاي وفتاتي ، أي غلامي وجاريتي { شَغَفَهَا } خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد ، والشغاف حجاب القلب ، وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب . قال النابغة @ وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ وَالِج مَكَانَ الشِّغَافِ تَبْتَغِيهِ الأَصَابِعُ @@ وقرىء « شعفها » بالعين ، من شعف البعير إذا هنأه فأحرقه بالقطران ، قال @ كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطّالي @@ و { حَبّاً } نصب على التمييز { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } في خطأ وبُعدٍ عن طريق الصواب { بِمَكْرِهِنَّ } باغتيابهنّ وسوء قالتهن ، وقولهنّ امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها ، وسمي الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحالِ غيبة ، كما يخفي الماكر مكره . وقيل كانت استكتمتهنّ سرّها فأفشينه عليها { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } دعتهنّ . قيل دعت أربعين امرأة منهنّ الخمس المذكورات { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } ما يتكئن عليه من نمارق ، قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهنّ متكئات والسكاكين في أيديهنّ أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته ، ويشغلن عن نفوسهنّ فتقع أيديهنّ على أيديهنّ فيقطعنها ، لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده ، ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهنّ ، فتضع الخناجر في أيديهنّ ليقطعن أيديهنّ ، فتبكتهنّ بالحجة ، ولتهول يوسف من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهنّ الخناجر ، وتوهمه أنهنّ يثبن عليه . وقيل متكأ مجلس طعام لأنهم كانوا يتكؤن للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين ، ولذلك . 542 " نهى أن يأكل الرجل متكئاً " وأتتهنّ السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن . وقيل { مُتَّكَئاً } طعاماً ، من قولك اتكأنا عند فلان طعمنا ، على سبيل الكناية لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له تكأة يتكىء عليها . قال جميل @ فَظَلَلْنَا بِنِعْمَةٍ واتَّكَأْنَا وَشَرِبْنَا الحَلاَلَ مِنْ قُلَلِهْ @@ وعن مجاهد { مُتَّكَئاً } طعاماً يحزّ حزّا ، كأن المعنى يعتمد بالسكين لأنّ القاطع يتكىء على المقطوع بالسكين . وقرىء « متكا » بغير همز . وعن الحسن « متكاء » بالمدّ ، كأنه مفتعال ، وذلك لإشباع فتحة الكاف ، كقوله « بمُنْتزاحِ » بمعنى بمنتزح . ونحوه « يَنْبَاعُ » بمعنى ينبع . وقرىء « متكأ » وهو الأترج ، وأنشد @ فَأَهْدَتْ مَتْكَةً لِبَنِي أبِيهَا تَخُبُّ بِهَا العَثْمَثَةُ الْوِقَاحُ @@ وكانت أهدت أترجة على ناقة ، وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في سننه أنها شقت بنصفين ، وحملا كالعدلين على جمل . وقيل الزماورد وعن وهب أترجا وموزاً وبطيخاً . وقيل أعتدت لهنَّ ما يقطع ، من متك الشيء بمعنى بتكه إذا قطعه . وقرأ الأعرج { مُتَّكَئاَ } مفعلاً ، من تكىء يتكأ ، إذا اتكأ { أَكْبَرْنَهُ } أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الفائق . قيل كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 543 " مررت بيوسف الليلة التي عرج بي إلى السماء ، فقلت لجبريل من هذا ؟ فقال يوسف ، فقيل يا رسول الله كيف رأيته ؟ قال « كالقمر ليلة البدر " وقيل كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران ، كما يرى نور الشمس من الماء عليها . وقيل ما كان أحد يستطيع وصف يوسف . وقيل كان يشبه آدم يوم خلقه ربه . وقيل ورث الجمال من جدّته سارة . وقيل أكبرن بمعنى حضن ، والهاء للسكت ، يقال أكبرت المرأة إذا حاضت ، وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حدّ الصغر إلى حدّ الكبر ، وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله @ خَفِ اللَّهَ وَاسْتُرْ ذَا الْجَمَالَ بِبُرْقَع فَإنْ لُحْتَ حَاضَتْ في الْخُدُورِ الْعَوَاتِقُ @@ { قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } جرحنها ، كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدي ، تريد جرحتها { حاشا } كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء . تقول أساء القوم حاشا زيد . قال @ حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إنَّ بِه ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ @@ وهي حرف من حروف الجر ، فوضعت موضع التنزيه والبراءة ، فمعنى « حاشا الله » براءة الله وتنزيه الله ، وهي قراءة ابن مسعود ، على إضافة حاشا إلى الله إضافة البراءة . ومن قرأ حاشا لله ، فنحو قولك سقيا لك كأنه قال براءة ، ثم قال لله ، لبيان من يبرأ وينزه . والدليل على تنزيل « حاشا » منزلة المصدر قراءة أبي السمال { حاشا لله } بالتنوين . وقراءة أبي عمرو « { حَاشَ للَّهِ } » بحذف الألف الآخرة . وقراءة الأعمش « { حشا لله } » بحذف الألف الأولى . وقرىء « حاش لله » بسكون الشين ، على أن الفتحة تبعت الألف في الإسقاط ، وهي ضعيفة لما فيها من التقاء الساكنين على غير حدّه . وقرىء « حاشا الإله » . فإن قلت فلم جاز في حاشا لله أن لا ينوّن بعد إجرائه مجرى براءة لله ؟ قلت مراعاة لأصله الذي هو الحرفية . ألا ترى إلى قولهم جلست من عن يمينه ، كيف تركوا « عن » غير معرب على أصله ؟ وعلى قوله « غدت من عليه » منقلب الألف إلى الياء مع الضمير ؟ والمعنى تنزيه الله تعالى من صفات العجز ، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله . وأما قوله { حَاشا للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء } يوسف 51 فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله { مَا هَـٰذَا بَشَرًا } نفين عنه البشرية لغرابة جماله ومباعدة حسنه ، لما عليه محاسن الصور ، وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم ، وذلك لأن الله عز وجل ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك ، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان ، ولذلك يشبه كل متناه في الحسن والقبح بهما ، وما ركز ذلك فيها إلا لأن الحقيقة كذلك ، كما ركز في الطباع أن لا أدخل في الشر من الشياطين ، ولا أجمع للخير من الملائكة ، إلا ما عليه الفئة الخاسئة المجبرة من تفضيل الإنسان على الملك ، وما هو إلا من تعكيسهم للحقائق ، وجحودهم للعلوم الضرورية ، ومكابرتهم في كل باب ، وإعمال « ما » عمل « ليس » هي اللغة القدمى الحجازية وبها ورد القرآن . ومنها قوله تعالى { مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ } المجادلة 2 ومن قرأ على سليقته من بني تميم ، قرأ « بشر » بالرفع . وهي في قراءة ابن مسعود . وقرىء « ما هذا بشرى » أي ما هو بعبد مملوك لئيم { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } تقول هذا بشرى ، أي حاصل بشرى ، بمعنى هذا بشرى . وتقول هذا لك بشري أم بكري ؟ والقراءة هي الأولى ، لموافقتها المصحف ومطابقة بشر لملك { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ } ولم يقل فهذا وهو حاضر ، رفعاً لمنزلته في الحسن ، واستحقاق أن يحب ويفتتن به ، وربئاً بحاله واستبعاداً لمحله ، ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهنّ عشقت عبدها الكنعاني . تقول هو ذلك العبد الكنعاني الذي صوّرتن في أنفسكنّ ، ثم لمتننى فيه . تعني أنكن لم تصوّرنه بحق صورته ، ولو صوّرتنه بما عاينتن لعذرتني في الافتنان به . الاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد ، كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها . ونحوه استمسك واستوسع الفتق واستجمع الرأي واستفحل الخطب . وهذا بيان لما كان من يوسف عليه السلام لا مزيد عليه ، وبرهان لا شيء أنور منه ، على أنه بريء مما أضاف إليه أهل الحشو مما فسروا به الهمّ والبرهان . فإن قلت الضمير في { ءَامُرُهُ } راجع إلى الموصول ، أم إلى يوسف ؟ قلت بل إلى الموصول . والمعنى ما آمر به ، فحذف الجار كما في قولك أمرتك الخير ، ويجوز أن تجعل « ما » مصدرية ، فيرجع إلى يوسف ومعناه ولئن لم يفعل أمري إياه ، أي موجب أمري ومقتضاه . قرىء « وليكونا » بالتشديد والتخفيف . والتخفيف أولى ، لأنّ النون كتبت في المصحف ألفاً على حكم الوقف ، وذلك لا يكون إلا في الخفيفة .