Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 37-38)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما استعبراه ووصفاه بالإحسان ، افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء ، وهو الإخبار بالغيب ، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ، ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت ، فيجدانه كما أخبرهما ، وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ، ويقبح إليهما الشرك بالله ، وهذه طريقة على كل ذي علم أن يسلكها مع الجهال والفسقة ، إذا استفتاه واحد منهم أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة والنصيحة أولاً ، ويدعوه إلى ما هو أولى به وأوجب عليه مما استفتى فيه ثم يفتيه بعد ذلك ، وفيه أنّ العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده - وغرضه أن يقتبس منه وينتفع به في الدين - لم يكن من باب التزيكة { بِتَأْوِيلِهِ } ببيان ماهيته وكيفيته لأنّ ذلك يشبه تفسير المشكل والإعراب عن معناه { ذٰلِكُمَا } إشارة لهما إلى التأويل ، أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات { مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى } وأوحي به إليّ ولم أقله عن تكهن وتنجم { إِنّى تَرَكْتُ } يجوزأن يكون كلاماً مبتدأ ، وأن يكون تعليلاً لما قبله . أي علمني ذلك وأوحي إليّ لأني رفضت ملة أولئك واتبعت ملة الأنبياء المذكورين وهي الملة الحنيفية ، وأراد بأولئك الذين لا يؤمنون أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم ، وتكريرهم للدلالة على أنهم خصوصاً كافرون بالآخرة ، وأنّ غيرهم كانوا قوماً مؤمنين بها ، وهم الذين على ملة إبراهيم ، ولتوكيد كفرهم بالجزاء تنبيهاً على ما هم عليه من الظلم والكبائر التي لا يرتكبها إلا من هو كافر بدار الجزاء ، ويجوز أن يكون فيه تعريض بما مني به من جهتهم حين أودعوه السجن ، بعد ما رأوا الآيات الشاهدة على براءته ، وأنّ ذلك ما لا يقدم عليه إلا من هو شديد الكفر بالجزاء وذكر آباءه ليريهما أنه من بيت النبوّة بعد أن عرّفهما أنه نبيّ يوحى إليه ، بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوي رغبتهما في الاستماع إليه واتباع قوله { مَا كَانَ لَنَا } ما صحّ لنا معشر الأنبياء { أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ } أي شيء كان من ملك أو جنيّ أو إنسيّ ، فضلاً عن أن نشرك به صنماً لا يسمع ولا يبصر ، ثم قال { ذٰلِكَ } التوحيد { مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ } أي على الرسل وعلى المرسل إليهم لأنهم نبهوهم عليه وأرشدوهم إليه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } المبعوث إليهم { لاَ يَشْكُرُونَ } فضل الله فيشركون ولا ينتبهون وقيل إنَّ ذلك من فضل الله علينا لأنه نصب لنا الأدلة التي ننظر فيها ونستدلّ بها . وقد نصب مثل تلك الأدلة لسائر الناس من غير تفاوت ، ولكن أكثر الناس لا ينظرون ولا يستدلون اتباعاً لأهوائهم ، فيبقون كافرين غير شاكرين .