Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 76-76)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ } قيل قال لهم من وكل بهم لا بدّ من تفتيش أوعيتكم ، فانصرف بهم إلى يوسف ، فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة حتى بلغ وعاءه فقال ما أظنّ هذا أخذ شيئاً ، فقالوا والله لا نتركه حتى تنظر في رحله ، فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا ، فاستخرجوه منه وقرأ الحسن « وُعاء أخيه » ، بضم الواو ، وهي لغة . وقرأ سعيد ابن جبير « إعاء أخيه » ، بقلب الواو همزة . فإن قلت لم ذكر ضمير الصواع مرّات ثم أنثه ؟ قلت قالوا رجع بالتأنيث على السقاية ، أو أنث الصواع لأنه يذكر ويؤنث ، ولعلّ يوسف كان يسميه سقاية وعبيده صواعاً ، فقد وقع فيما يتصل به من الكلام سقاية ، وفيما يتصل بهم منه صواعاً { كَذٰلِكَ كِدْنَا } مثل ذلك الكيد العظيم كدنا { لِيُوسُفَ } يعني علمناه إياه وأوحينا به إليه { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ } تفسير للكيد وبيان له ، لأنه كان في دين ملك مصر ، وما كان يحكم به في السارق أن يغرم مثلي ما أخذ ، لا أن يلزم ويستعبد { إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } أي ما كان يأخذه إلا بمشيئة الله وإذنه فيه { نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَاء } في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه . وقرىء « يرفع » بالياء . ودرجات بالتنوين { وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ } فوقه أرفع درجة منه في علمه ، أو و فوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم ، وهو الله عز وعلا . فإن قلت ما أذن الله فيه يجب أن يكون حسناً ، فمن أي وجه حسن هذا الكيد ؟ وما هو إلا بهتان ، وتسريق لمن لم يسرق ، وتكذيب لمن لم يكذب ، وهو قوله { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } يوسف 70 ، { فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَـٰذِبِين } يوسف 74 ؟ قلت هو في صورة البهتان وليس ببهتان في الحقيقة لأنّ قوله { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } يوسف 70 تورية عما جرى مجرى السرقة من فعلهم بيوسف . وقيل كان ذلك القول من المؤذن لا من يوسف ، وقوله { إِن كُنتُمْ كَـٰذِبِينَ } يوسف 74 فرض لانتفاء براءتهم . وفرض التكذيب لا يكون تكذيباً ، على أنه لو صرَّح لهم بالتكذيب ، كما صرّح لهم بالتسريق . لكان له وجه لأنهم كانوا كاذبين في قولهم { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَـٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذّئْبُ } يوسف 17 هذا وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية ، كقوله تعالى لأيوب عليه السلام { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } ص 44 ليتخلص من جلدها ولا يحنث ، وكقول إبراهيم عليه السلام هي أختي ، لتسلم من يد الكافر . وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرق إلى التخلص من الوقوع في المفاسد ، وقد علم الله تعالى في هذه الحيلة التي لقنها يوسف مصالح عظيمة فجعلها سلماً وذريعة إليها ، فكانت حسنة جميلة وانزاحت عنها وجوه القبح لما ذكرنا .