Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 57-60)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فإن قلت قوله تعالى { إِلا ءالَ لُوطٍ } استثناء متصل أو منقطع ؟ قلت ، لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم ، فيكون منقطعاً لأنّ القوم موصوفون بالإجرام ، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين ، فيكون متصلاً ، كأنه قيل إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم ، كما قال { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } الذاريات 36 . فإن قلت فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين ؟ قلت نعم ، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال ، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً . ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين ، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرميّ . في أنه في معنى التعذيب والإهلاك ، كأنه قيل إنا أهلكنا قوماً مجرمين ، ولكن آل لوط أنجيناهم . وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال ، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء ، فلا يكون الإرسال مخلصاً بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل . فإن قلت فقوله { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ } بم يتعلق على الوجهين ؟ قلت إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر « لكنّ » في الاتصال بآل لوط ، لأنّ المعنى . لكن آل لوط منجون ، وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً ، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط ، فقالوا إنا لمنجوهم . فإن قلت فقوله { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } ممّ استثني وهل هو استثناء من استثناء ؟ قلت استثنى من الضمير المجرور في قوله { لَمُنَجُّوهُمْ } وليس من الاستثاء في شيء لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه ، وأن يقال أهلكناهم إلا آل لوط ، إلا امرأته ، كما اتحد الحكم في قول المطلق أنت طالق ثلاثاً ، إلا اثنتين ، إلا واحدة . وفي قول المقرّ لفلان عليّ عشرة دراهم ، إلا ثلاثة ، إلا درهما . فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان ، لأنّ { إِلا ءالَ لُوطٍ } متعلق بأرسلنا ، أو بمجرمين ، و { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } قد تعلق بمنجوهم ، فأنى يكون استثناء من استثناء . وقرىء « لمنجوهم » بالتخفيف والتثقيل . فإن قلت لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله { قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } والتعليق من خصائص أفعال القلوب ؟ قلت لتضمن فعل التقدير معنى العلم ، ولذلك فسر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم . فإن قلت فلم أسند الملائكة فعل التقدير - وهو لله وحده - إلى أنفسهم ، ولم يقولوا قدّر الله ؟ قلت لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم ، كما يقول خاصة الملك دبرنا كذا وأمرنا بكذا ، والمدبر والآمر هو الملك لا هم ، وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنهم لا يتميزون عنه . وقرىء « قدرنا » ، بالتخفيف .