Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 112-113)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً } أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة ، فكفروا وتولوا ، فأنزل الله بهم نقمته . فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة ، وأن تكون في قرى الأوّلين قرية كانت هذه حالها ، فضربها الله مثلا لمكة إنذاراً من مثل عاقبتها { مُّطْمَئِنَّةً } لا يزعجها خوف ، لأن الطمأنينة مع الأمن ، والانزعاج والقلق مع الخوف { رَغَدًا } واسعاً . والأنعم جمع نعمة ، على ترك الاعتداد بالتاء ، كدرع وأدرع . أو جمع نعم ، كبؤس وأبؤس . وفي الحديث 597 نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم بالموسم بمنى " إنها أيام طعم ونعم فلا تصوموا " فإن قلت الإذاقة واللباس استعارتان ، فما وجه صحتهما ؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار ، فما وجه صحة إيقاعها عليه ؟ قلت أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمسّ الناس منها ، فيقولون ذاق فلان البؤس والضر ، وأذاقه العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المرّ والبشع . وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث . وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف ، فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس ، فكأنه قيل فأذاقه ما غشيهم من الجوع والخوف ، ولهم في نحو هذا طريقان لا بد من الإحاطة بهما ، فإن الاستنكار لا يقع إلا لمن فقدهما ، أحدهما أن ينظروا فيه إلى المستعار له ، كما نظر إليه ههنا . ونحوه قول كثير @ غَمْرُ الرِّدَاءِ إذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكا غَلِقَتْ لِضِحْكَتِهِ رِقَابُ المَالِ @@ استعارة الرداء للمعروف ، لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه . ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال ، لا صفة الرداء ، نظر إلى المستعار له . والثاني أن ينظروا فيه إلى المستعار ، كقوله @ يُنَازِعُنِي رِدَائِي عَبْدُ عَمْرو رُوَيْدَكَ يَا أَخَا عَمْرو بْنِ بَكْر ليَ الشطْرُ الَّذِي مَلَكَتْ يَمِيِني وَدُونَكَ فَاعْتَجِرْ مِنْهُ بِشَطْرِ @@ أراد بردائه سيفه ، ثم قال فاعتجر منه بشطر ، فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار ، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقيل فكساهم لباس الجوع والخوف ، ولقال كثير ضافي الرداء إذا تبسم ضاحكاً { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } في حال التباسهم بالظلم ، كقوله الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم نعوذ بالله من مفاجأة النقمة والموت على الغفلة . وقرىء « والخوف » عطفاً على اللباس ، أو على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه . أصله ولباس الخوف . وقرىء « لباس الخوف والجوع » .