Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 61-65)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ طِينًا } حال إما من الموصول والعامل فيه أسجد ، على أأسجد له وهو طين ، أي أصله طين . أو من الراجع إليه من الصلة على أأسجد لمن كان في وقت خلقه طيناً { أَرَءيْتَكَ } الكاف للخطاب ، و { هَـٰذَا } مفعول به . والمعنى أخبرني عن هذا { ٱلَّذِى كَرَّمْتَ } ـــه { عَلَىَّ } أي فضلته ، لم كرمته عليّ وأنا خير منه ؟ فاختصر الكلام بحذف ذلك ، ثم ابتدأ فقال { لَئِنْ أَخَّرْتَنِى } واللام موطئة للقسم المحذوف { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } لأستأصلنهم بالإغواء ، من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا ، وهو من الحنك . ومنه ما ذكر سيبويه من قولهم أحنك الشاتين أي أكلهما . فإن قلت من أين علم أن ذلك يتسهل له وهو من الغيب ؟ قلت إما أن سمعه من الملائكة وقد أخبرهم الله به ، أو خرجه من قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ، أو نظر إليه فتوسم في مخايله أنه خلق شهواني . وقيل قال ذلك لما عملت وسوسته في آدم ، والظاهر أنه قال ذلك قبل أكل آدم من الشجرة { ٱذْهَبْ } ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيء ، إنما معناه امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخلية ، وعقبه بذكر ما جرّه سوء اختياره في قوله { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } كما قال موسى عليه السلام للسامري { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } طه 97 . فإن قلت أما كان من حق الضمير في الجزاء أن يكون على لفظ الغيبة ليرجع إلى من تبعك ؟ قلت بلى ، ولكن التقدير فإنّ جهنم جزاؤهم وجزاؤك ، ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزاؤكم . ويجوز أن يكون للتابعين على طريق الالتفات ، وانتصب { جَزَاءً مَّوفُورًا } بما في { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } من معنى تجازون . أو بإضمار تجازون . أو على الحال لأنّ الجزاء موصوف بالموفور ، والموفور الموفر . يقال فر لصاحبك عرضه فرة . استفزّه استخفه . والفز الخفيف { وَأَجْلِبْ } من الجلبة وهي الصياح . والخيل الخيالة . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم 622 " يا خيل الله اركبي " والرجل اسم جمع للراجل . ونظيره الركب والصحب . وقرىء « ورجلك » ، على أن فعلا بمعنى فاعل ، نحو تعب وتاعب . ومعناه وجمعك الرجل ، وتضم جيمه أيضاً فيكون مثل حدث وحدث ، وندس وندس ، وأخوات لهما . يقال رجل رجل . وقرىء « ورجالك ورجالك » فإن قلت ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله ؟ قلت هو كلام ورد مورد التمثيل ، مثلت حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم فصوّت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم ، وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم . وقيل بصوته ، بدعائه إلى الشر . وخيله ورجله كلّ راكب وماش من أهل العيث ، وقيل يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال . وأما المشاركة في الأموال والأولاد فكل معصية يحملهم عليها في بابهما ، كالربا والمكاسب المحرّمة ، والبحيرة والسائبة ، والإنفاق في الفسوق ، والإسراف . ومنع الزكاة ، والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام ، ودعوى ولد بغير سبب ، والتسمية بعبد العزى وعبد الحرث ، والتهويد والتنصير ، والحمل على الحرف الذميمة والأعمال المحظورة ، وغير ذلك { وَعِدْهُمْ } المواعيد الكاذبة . من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة ، وتسويف التوبة ومغفرة الذنوب بدونها ، والاتكال على الرحمة ، وشفاعة الرسول في الكبائر والخروج من النار بعد أن يصيروا حمماً ، وإيثار العاجل على الآجل { إِنَّ عِبَادِى } يريد الصالحين { لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } أي لا تقدر أن تغويهم { وَكَفَىٰ بِرَبّكَ وَكِيلاً } لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك ، ونحوه قوله { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } فإن قلت كيف جاز أن يأمر الله إبليس بأن يتسلط على عباده مغوياً مضلاً ، داعياً إلى الشر ، صادّا عن الخير ؟ قلت هو من الأوامر الواردة على سبيل الخذلان والتخلية ، كما قال للعصاة اعملوا ما شئتم .