Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 77-80)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما كانت مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقاً إلى الإحاطة بها علماً وصحة الخبر عنها ، استعملوا « أرأيت » في معنى « أخبر » والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب ، كأنه قال أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر ، واذكر حديثه عقيب حديث أولئك { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } من قولهم أطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه وطلع الثنية . قال جرير @ لاَقَيْتُ مُطَّلَعَ الْجِبَالِ وُعُورَا @@ ويقولون مرّ مطلعاً لذلك الأمر ، أي عالياً له مالكاً له ، ولاختيار هذه الكلمة شأن ، يقول أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار . والمعنى أن ما ادعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين إما علم الغيب ، وإما عهد من عالم الغيب ، فبأيهما توصل إلى ذلك ؟ قرأ حمزة والكسائي « ولداً » وهو جمع ولد ، كأسد في أسد . أو بمعنى الولد كالعرب في العرب . وعن يحيى بن يعمر « ولداً » بالكسر . وقيل في العهد كلمة الشهادة . وعن قتادة هل له عمل صالح قدّمه فهو يرجو بذلك ما يقول ؟ وعن الكلبي هل عهد الله إليه أنه يؤتيه ذلك ؟ عن الحسن رحمه الله نزلت في الوليد بن المغيرة ، والمشهور أنها في العاصي بن وائل . قال خباب بن الأرت 674 كان لي عليه دين فاقتضيته ، فقال لا والله حتى تكفر بمحمد . قلت لا والله لا أكفر بمحمد حياً ولا ميتاً ولا حين تبعث . قال فإني إذا مت بعثت ؟ قلت نعم . قال إذا بعثت جئتني وسيكون لي ثمَّ مال وولد فأعطيك وقيل 675 « صاغ له خباب حلياً فاقتضاه الأجر ، فقال إنكم تزعمون أنكم تبعثون ، وأن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ، فأنا أقضيك ثَمَّ فإني أوتىٰ مالاً وولداً حينئذ { كَلاَّ } ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطيء فيما يصوّره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه . فإن قلت كيف قيل { سَنَكْتُبُ } بسين التسويف ، وهو كما قاله كتب من غير تأخير ، قال الله تعالى { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 18 ؟ قلت فيه وجهان ، أحدهما سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله ، على طريقة قوله @ إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لِئيمَةٌ @@ أي تبين وعلم بالانتساب أني لست بابن لئيمة . والثاني أن المتوعد يقول للجاني سوف أنتقم منك ، يعني أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر ، فجرد ههنا لمعنى الوعيد . { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } أي نطوّل له من العذاب ما يستأهله ونعذبه بالنوع الذي يعذب به الكفار المستهزؤن . أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد . يقال مده وأمده بمعنى ، وتدل عليه قراءة عليّ بن أبي طالب ونمد له بالضم ، وأكد ذلك بالمصدر ، وذلك من فرط غضب الله ، نعوذ به من التعرّض لما نستوجب به غضبه . { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه من يستحقه . والمعنى مسمى ما يقول . ومعنى { مَا يَقُولُ } وهو المال والولد . يقول الرجل أنا أملك كذا ، فتقول له ولي فوق ما تقول ، ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالاً وولداً ، وبلغت به أشعبيته أن تألىَّ على ذلك في قوله { لأُوتَيَنَّ } لأنه جواب قسم مضمر ، ومن يتألَّ على الله يكذبه ، فيقول الله عز وجل هب أنا أعطيناه ما اشتهاه ، إما نرثه منه في العاقبة ويأتينا فرداً غداً بلا مال ولا ولد ، كقوله عز وجل { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ … } الآية الأنعام 94 فما يجدي عليه تمنيه وتأليه . ويحتمل أن هذا القول إنما يقوله ما دام حياً ، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله ، ويأتينا رافضاً له منفرداً عنه غير قائل له ، أو لا ننسى قوله هذا ولا نلغيه ، بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به { وَيَأْتِينَا } على فقره ومسكنته { فَرْداً } من المال والولد ، لم نوله سؤله ولم نؤته متمناه ، فيجتمع عليه الخطبان تبعة قوله ووباله ، وفقد المطموع فيه . فرداً على الوجه الأول حال مقدرة نحو { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } الزمر 73 لأنه وغيره سواء في إتيانه فرداً حين يأتي ، ثم يتفاوتون بعد ذلك .