Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 183-184)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم . قال عليّ رضي الله عنه أوّلهم آدم ، يعني أنّ الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمّة من افتراضها عليهم ، لم يفرضها عليكم وحدكم { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بالمحافظة عليها وتعظيمها لأصالتها وقدمها ، أو لعلكم تتقون المعاصي ، لأنّ الصائم أظلف لنفسه وأردع لها من مواقعة السوء . قال عليه السلام 88 " فعليه بالصوم فإنّ الصوم له وجاء " أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين ، لأنّ الصوم شعارهم . وقيل معناه أنه كصومهم في عدد الأيام وهو شهر رمضان ، كتب على أهل الإنجيل فأصابهم موتان ، فزادوا عشراً قبله وعشراً بعده . فجعلوه خمسين يوماً . وقيل كان وقوعه في البرد الشديد والحرّ الشديد ، فشقّ عليهم في أسفارهم ومعايشهم فجعلوه بين الشتاء والربيع ، وزادوا عشرين يوماً كفارة لتحويله عن وقته . وقيل الأيام المعدودات عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر . كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر . ثم نسخت بشهر رمضان . وقيل كتب عليكم كما كتب عليهم أن يتقوا المفطر بعد أن يصلوا العشاء وبعد أن يناموا ، ثم نسخ ذلك بقوله { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصّيَامِ } الآية البقرة 87 . ومعنى { مَّعْدُودٰتٍ } موقتات بعدد معلوم . أو قلائل ، كقوله { دَرٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } يوسف 20 وأصله أنّ المال القليل يقدّر بالعدد ويتحكر فيه . والكثير يهال هيلاً ويحثى حثياً . وانتصاب أياماً بالصيام كقولك نويت الخروج يوم الجمعة { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } أو راكب سفر { فَعِدَّةٌ } فعليه عدّة . وقرىء بالنصب بمعنى فليصم عدّة وهذا على سبيل الرخصة . وقيل مكتوب عليهما أن يفطرا ويصوما عدّة { مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } واختلف في المرض المبيح للإفطار ، فمن قائل كل مرض ، لأنّ الله تعالى لم يخص مرضاً دون مرض كما لم يخص سفراً دون سفر ، فكما أنّ لكل مسافر أن يفطر ، فكذلك كل مريض . وعن ابن سيرين أنه دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتلّ بوجع أصبعه . وسئل مالك عن الرجل يصيبه الرمد الشديد أو الصداع المضر وليس به مرض يضجعه ، فقال إنه في سعة من الإفطار . وقائل هو المرض الذي يعسر معه الصوم ويزيد فيه ، لقوله تعالى { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ } وعن الشافعي لا يفطر حتى يجهده الجهد غير المحتمل . واختلف أيضاً في القضاء فعامّة العلماء على التخيير . وعن أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه « إنّ الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ، إن شئت فواتر ، وإن شئت ففرّق » وعن عليّ وابن عمر والشعبي وغيرهم أنه يقضي كما فات متتابعاً . وفي قراءة أبيّ « فعدّة من أيام أخر متتابعات » فإن قلت فكيف قيل { فَعِدَّةٌ } على التنكير ولم يقل فعدّتها ، أي فعدّة الأيام المعدودات ؟ قلت لما قيل فعدّة والعدّة بمعنى المعدود فأمر بأن يصوم أياماً معدودة مكانها ، علم أنه لا يؤثر عدد على عددها ، فأغنى ذلك عن التعريف بالإضافة { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وعلى المطيقين للصيام الذين لا عذر بهم إن أفطروا { فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } نصف صاع من برّ أو صاع من غيره عند أهل العراق ، وعند أهل الحجاز مدّ ، وكان ذلك في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعوّدوه فاشتدّ عليهم ، فرخص لهم في الإفطار والفدية . وقرأ ابن عباس « يطوّقونه » ، تفعيل من الطوق إما بمعنى الطاقة أو القلادة ، أي يكلفونه أو يقلدونه ويقال لهم صوموا . وعنه « يتطوّقونه » بمعنى يتكلفونه أو يتقلدونه . « ويطوقونه » بإدغام التاء في الطاء . « ويطيقونه » « ويطيقونه » بمعنى يتطوقونه ، وأصلهما يطيوقونه ويتطيوقونه ، على أنهما من فيعل وتفعيل من الطوق ، فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء كقولهم تدير المكان وما بها ديَّار . وفيه وجهان أحدهما نحو معنى يطيقونه . والثاني يكلفونه أو يتكلفونه على جهد منهم وعسر وهم الشيوخ والعجائز ، وحكم هؤلاء الإفطار والفدية . وهو على هذا الوجه ثابت غير منسوخ . ويجوز أن يكون هذا معنى يطيقونه ، أي يصومونه جهدهم وطاقتهم ومبلغ وسعهم { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا } فزاد على مقدار الفدية { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } فالتطوع أخير له أو الخير . وقرىء « فمن يطوّع » ، بمعنى يتطوّع { وَأَن تَصُومُواْ } أيها المطيقون أو المطوقون وحملتم على أنفسكم وجهدتم طاقتكم { خَيْرٌ لَّكُمْ } من الفدية وتطوع الخير . ويجوز أن ينتظم في الخطاب المريض والمسافر أيضاً . وفي قراءة أبيّ « والصيام خير لكم » .