Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 196-196)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ائتوا بهما تامّين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله من غير توان ولا نقصان يقع منكم فيهما . قال @ تَمَامُ الْحَجِّ أَنْ تَقِفَ الْمَطَايَا عَلَى خَرْقَاءَ وَاضِعَةِ اللِّثَامِ @@ جعل الوقوف عليها كبعض مناسك الحج الذي لا يتم إلا به . وقيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، روى ذلك عن عليّ وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم . وقيل أن تفرد لكل واحد منها سفراً كما قال محمد حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل . وقيل أن تكون النفقة حلالاً . وقيل أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشيء من التجارة والأغراض الدنيوية . فإن قلت هل فيه دليل على وجوب العمرة ؟ قلت ما هو إلا أمر بإتمامهما ، ولا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوّعين ، فقد يؤمر بإتمام الواجب والتطوع جميعاً ، إلا أن تقول الأمر بإتمامهما أمر بأدائهما ، بدليل قراءة من قرأ « وأقيموا الحج والعمرة » والأمر للوجوب في أصله ، إلا أن يدلّ دليل على خلاف الوجوب كما دلّ في قوله { فَٱصْطَـٰدُواْ } المائدة 2 { فَٱنتَشِرُواْ } الأحزاب 53 ونحو ذلك ، فيقال لك فقد دلّ الدليل على نفي الوجوب ، وهو ما روي 101 أنه قيل يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج ؟ قال " لا ، ولكن أن تعتمر خير لك " وعنه 102 " الحج جهاد والعمرة تطوّع " فإن قلت فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال إن العمرة لقرينة الحج . وعن عمر رضي الله عنه 103 أن رجلاً قال له إني وجدت الحجّ والعمرة مكتوبين عليّ ، أهللت بهما جميعاً فقال « هُديت لسنة نبيك » . وقد نظمت مع الحج في الأمر بالإتمام فكانت واجبة مثل الحج ؟ قلت كونها قرينة للحج أنّ القارن يقرن بينهما ، وأنهما يقترنان في الذكر فيقال حجّ فلان واعتمر والحجاج والعمار ، ولأنها الحجّ الأصغر ، ولا دليل في ذلك على كونها قرينة له في الوجوب . وأمّا حديث عمر رضي الله عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله أهللت بهما ، وإذا أهلّ بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبر بالتطوّع من الصلاة . والدليل الذي ذكرناه أخرج العمرة من صفة الوجوب فبقي الحجّ وحده فيها ، فهما بمنزلة قولك صم شهر رمضان وستة من شوال ، في أنك تأمره بفرض وتطوّع . وقرأ عليّ وابن مسعود والشعبي رضي الله عنهم « والعمرة لله » بالرفع ، كأنهم قصدوا بذلك إخراجها عن حكم الحجّ وهو الوجوب { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } يقال أُحصر فلان ، إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز . قال الله تعالى { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } البقرة 273 وقال ابن ميادة @ وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَت عَلَيْكَ وَلاَ أَنْ أَحْصَرَتْكَ شَغُولُ @@ وحُصر إذا حبسه عدوّ عن المضي ، أو سجن . ومنه قيل للمحبس الحصير . وللملك ، الحصير ، لأنه محجوب . هذا هو الأكثر في كلامهم ، وهما بمعنى المنع في كل شيء ، مثل صدّه وأصدّه . وكذلك قال الفرّاء وأبو عمرو الشيباني ، وعليه قول أبي حنيفة رحمهم الله تعالى ، كل منع عنده من عدوّ كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الإحصار . وعند مالك والشافعي منع العدوّ وحده . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 104 " من كسر أو عرج فقد حلّ وعليه الحج من قابل " { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } فما تيسر منه . يقال يسر الأمر واستيسر ، كما يقال صعب واستصعب . والهدي جمع هدية ، كما يقال في جدية السرج جدي ، وقرىء « من الهديّ » بالتشديد جمع هدية كمطية ومطيّ . يعني فإن منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة ، فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدي من بعير أو بقرة أو شناة ، فإن قلت أين ومتى ينحر هدي المحصر ؟ قلت إن كان حاجاً فبالحرم متى شاء عند أبي حنيفة يبعث به ، ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار وعندهما في أيام النحر وإن كان معتمراً فبالحرم في كل وقت عندهم جميعاً . و ما استيسر رفع بالابتداء ، أي فعليه ما استيسر . أو نصب على فاهدوا ما استيسر { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ } الخطاب للمحصرين أي لا تحلوا حتى تعلموا أنّ الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ { مَحِلَّهُ } أي مكانه الذي يجب نحره فيه . ومحل الدين وقت وجوب قضائه ، وهو ظاهر على مذهب أبي حنيفة رحمه الله . فإن قلت 105 إنّ النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه حيث أحصر ؟ قلت كان محصره طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة وهو من الحرم ، وعن الزهري 106 أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر هديه في الحرم . وقال الواقدي الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا } فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق { أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ } وهو القمل أو الجراحة ، فعليه إذا احتلق فدية { مّن صِيَامٍ } ثلاثة أيام { أَوْ صَدَقَةٍ } على ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من برّ { أَوْ نُسُكٍ } وهو شاة . وعن كعب بن عجرة 107 أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " لعلك أذاك هوامّك " ؟ قال نعم يا رسول الله . قال " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك شاة " وكان كعب يقول فيّ نزلت هذه الآية ، وروي 108 أنه مرّ به وقد قَرَحَ رَأْسُهُ فقال « كفى بهذا أذى » وأمره أن يحلق ويطعم ، أو يصوم . والنسك مصدر ، وقيل جمع نسيكة . وقرأ الحسن أو « نسك » ، بالتخفيف { فَإِذَا أَمِنتُمْ } الإحصار ، يعني فإذا لم تحصروا وكنتم في أمن وسعة { فَمَن تَمَتَّعَ } أي استمتع { بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجّ } واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحج انتفاعه بالتقرّب بها إلى الله تعالى قبل الانتفاع بتقرّبه بالحج . وقيل إذا حلّ من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرّماً عليه إلى أن يحرم بالحج { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } هو ، هدي المتعة ، وهو نسك عند أبي حنيفة ويأكل منه . وعند الشافعي يجري مجرى الجنايات ولا يأكل منه ، ويذبحه يوم النحر عندنا . وعنده يجوز ذبحه إذا أحرم بحجته { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الهدي { ف } عليه { صِيَامٍ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجّ } أي في وقته وهو أشهرهُ ما بين الإحرامين إحرام العمرة وإحرام الحج ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله . والأفضل أن يصوم يوم التروية وعرفة ويوماً قبلهما ، وإن مضى هذا الوقت لم يجزئه إلا الدم . وعند الشافعي لا تصام إلا بعد الإحرام بالحج تمسكاً بظاهر قوله { فِي ٱلْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } بمعنى إذا نفرتم وفرغتم من أفعال الحج عند أبي حنيفة ، وعند الشافعي هو الرجوع إلى أهاليهم . وقرأ ابن أبي عبلة « وسبعةً » بالنصب عطفاً على محل ثلاثة أيام ، وكأنه قيل فصيام ثلاثة أيام ، كقوله { أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } البلد 15 فإن قلت فما فائدة الفذلكة ؟ قلت الواو قد تجىء للإباحة في نحو قولك جالس الحسن وابن سيرين . ألا ترى أنه لو جالسهما جميعاً أو واحداً منهما كان ممتثلاً ففذلكت نفياً لتوهم الإباحة ، وأيضاً ففائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً ليحاط به من جهتين ، فيتأكد العلم . وفي أمثال العرب علمان خير من علم ، وكذلك { كَامِلَةٌ } تأكيد آخر . وفيه زيادة توصية بصيامها وأن لا يتهاون بها ولا ينقص من عددها ، كما تقول للرجل إذا كان لك اهتمام بأمر تأمره به وكان منك بمنزل الله الله لا تقصر . وقيل كاملة في وقوعها بدلاً من الهدي . وفي قراءة أبيّ « فصيام ثلاثة أيام متتابعات » { ذٰلِكَ } إشارة إلى التمتع ، عند أبي حنيفة وأصحابه . لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم ، ومن تمتع منهم أو قرن كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه وأما القارن والمتمتع من أهل الآفاق فدمهما دم نسك يأكلان منه . وعند الشافعي إشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي أو الصيام ولم يوجب عليهم شيئاً . وحاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة عند أبي حنيفة . وعند الشافعي أهل الحرم ومن كان من الحرم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في المحافظة على حدوده وما أمركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } لمن خالف ليكون علمكم بشدة عقابه لطفاً لكم في التقوى .