Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 198-202)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } عطاء منه وتفضلاً ، وهو النفع والربح بالتجارة ، وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج ، وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم تقم لهم سوق ، ويسمون من يخرج بالتجارة الداجّ . ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج . وقيل كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يتجرون فيها في أيام الموسم . وكانت معايشهم منها ، فلما جاء الإسلام تأثموا ، فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم ، وإنما يباح ما لم يشغل عن العبادة ، وعن ابن عمر رضي الله عنه 111 أن رجلاً قال له إنا قوم نكري في هذا الوجه وإن قوماً يزعمون أن لا حج لنا ، فقال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألت فلم يردّ عليه ، حتى نزل { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } فدعا به فقال أنتم حجاج . وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له هل كنتم تكرهون التجارة في الحج ؟ فقال وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج . وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما « فضلاً من ربكم في مواسم الحج » . أَنْ تبتغوا في أن تبتغوا { أَفَضْتُمْ } دفعتم بكثرة ، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة ، وأصله أفضتم أنفسكم ، فترك ذكر المفعول كما ترك في دفعوا من موضع كذا وصبوا . وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه « صب في دقران وهو يخرش بعيره بمحجنه » ويقال أفاضوا في الحديث وهضبوا فيه . و { عَرَفَـٰتٍ } علم للموقف سمي بجمع كأذرعات . فإن قلت هلا مُنعت الصرف وفيها السببان التعريف والتأنيث ؟ قلت لا يخلو من التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها ، وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث ، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها ، لأنّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا يقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها . وقالوا سميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصرها عرفها . وقيل إن جبريل حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها فقال قد عرفت . وقيل التقى فيها آدم وحوّاء فتعارفا . وقيل لأنّ الناس يتعارفون فيها والله أعلم بحقيقة ذلك ، وهي من الأسماء المرتجلة لأنّ العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس إلا أن تكون جمع عارف . وقيل فيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأنّ الإفاضة لا تكون إلا بعده . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 112 " الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج " { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات . وقيل بصلاة المغرب والعشاء . و { ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } قزح ، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة . وقيل المشعر الحرام ما بين جبل المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر ، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام . والصحيح أنه الجبل ، لما روى جابر رضي الله عنه 113 أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلّى الفجر يعني بالمزدلفة بغلس ، ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر . وقوله تعالى { عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } معناه مما يلي المشعر الحرام قريباً منه ، وذلك للفضل ، كالقرب من جبل الرحمة ، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر . أو جعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر . والمشعر المعلم ، لأنه معلم العبادة . ووصف بالحرم لحرمته . وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه نظر إلى الناس ليلة جمع فقال لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون . وقيل سميت المزدلفة وجمعاً لأنّ آدم صلوات الله عليه اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها ، أي دنا منها . وعن قتادة لأنه يجمع فيها بين الصلاتين . ويجوز أن يقال وصفت بفعل أهلها ، لأنهم يزدلفون إلى الله أي يتقرّبون بالوقوف فيها { كَمَا هَدَاكُمْ } ما مصدرية أو كافة . والمعنى واذكروهُ ذكراً حسناً كما هداكم هداية حسنة أواذكروه كما علمكم كيف تذكرونه ، لا تعدلوا عنه { وَإِن كُنتُمْ مّن قَبْلِهِ } من قبل الهدى { لَمِنَ ٱلضَّالّينَ } الجاهلين ، لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه . وإِن هي مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة { ثُمَّ أَفِيضُواْ } ثم لتكن إفاضتكم { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } ولا تكن من المزدلفة . وذلك لما كان عليه الحمس من الترفع على الناس والتعالي عليهم وتعظمهم عن أن يساووهم في الموقف . وقولهم نحن أهل الله وقطان حرمه فلا تخرج منه ، فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات ؟ فإن قلت فكيف موقع ثم ؟ قلت نحو موقعها في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم ، تأتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم ، والإحسان إلى غيره وبُعد ما بينهما فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين ، وأن إحداهما صواب والثانية خطأ . وقيل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وهم الحمس ، أي من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات . وقرىء « من حيث أفاض الناس » بكسر السين أي الناسي وهو آدم ، من قوله { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدم مِن قَبْلُ فَنَسِىَ } طه 115 يعني أن الإفاضة من عرفات شرع قديم فلا تخالفوا عنه { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ } أي فإذا فرغتم من عباداتكم الحجية ونفرتم { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ } فأكثروا ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم . وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل ، فيعدّدون فضائل آبائهم ويذكرون محاسن أيامهم . { أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } في موضع جر عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله { كَذِكْرِكُمْ } كما تقول كذكر قريش آباءهم ، أو قوم أشدّ منهم ذكراً . أو في موضع نصب عطف على آباءكم ، بمعنى أو أشدّ ذكراً من آبائكم ، على أن ذكراً من فعل المذكور { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } معناه أكثروا ذكر الله ودعاءه فإنّ الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا أعراض الدنيا ، ومكثر يطلب خير الدارين ، فكونوا من المكثرين { آتنا فِى ٱلدُّنْيَا } اجعل إيتاءنا أي إعطاءنا في الدنيا خاصة { وَمَا لَهُ فِى ٱلاْخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } أي من طلب خلاقي وهو النصيب . أو ما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب ، لأنّ همه مقصور على الدنيا . والحسنتان ما هو طلبةُ الصالحين في الدنيا من الصحة والكفاف والتوفيق في الخير ، وطلبتهم في الآخرة من الثواب . وعن علي رضي الله عنه الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء . وعذاب النار امرأة السوء . { أُولَـٰئِكَ } الداعون بالحسنتين { لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } أي نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة ، وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة . أو من أجل ما كسبوا ، كقوله { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ } نوح 25 . أو لهم نصيب مما دعوا به نعطيهم منه ما يستوجبونه بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة . وسمى الدعاء كسباً لأنه من الأعمال ، والأعمال موصوفة بالكسب بما كسبت أيديكم . ويجوز أن يكون أولئك للفريقين جميعاً ، وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد . فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة ، أو وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم ليدلّ على كمال قدرته ووجوب الحذر منه . روي أنه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة . وروى في مقدار فواق ناقة . وروي في مقدار لمحة .