Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 233-233)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يُرْضِعْنَ } مثل يتربصن في أنه خبر في معنى الأمر المؤكد { كَامِلَيْنِ } توكيد كقوله { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } البقرة 196 لأنه مما يتسامح فيه فتقول أقمت عند فلان حولين ، ولم تستكملهما . وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما « أن يكمل الرضاعة » وقرىء « الرِّضاعة » . بكسر الراء . « والرضعة » . « وأن تتم الرضاعة » و « أن يتم الرضاعة » ، برفع الفعل تشبيهاً لـــ « أن » بـــ « ما » لتأخيهما في التأويل . فإن قلت كيف اتصل قوله { لِمَنْ أَرَادَ } بما قبله ؟ قلت هو بيان لمن توجه إليه الحكم ، كقوله تعالى { هَيْتَ لَكَ } يوسف 23 لك بيان للمهيت به ، أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع . وعن قتادة حولين كاملين ، ثم أنزل الله اليسر والتخفيف فقال { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } أراد أنه يجوز النقصان ، وعن الحسن ليس ذلك بوقت لا ينقص منه بعد أن لا يكون في الفطام ضرر . وقيل اللام متعلقة بيرضعن ، كما تقول أرضعت فلانة لفلان ولده ، أي يرضعن حولين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة من الآباء ، لأنّ الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم ، وعليه أن يتخذ له ظئراً إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه ، وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه . ولا يجوز استئجار الأم عند أبي حنيفة رحمه الله ما دامت زوجة أو معتدة من نكاح . وعند الشافعي يجوز . فإذا انقضت عدّتها جاز بالاتفاق . فإن قلت فما بال الوالدات مأمورات بأن يرضعن أولادهنّ ؟ قلت إما أن يكون أمراً على وجه الندب ، وإما على وجه الوجوب إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه ، أو لم توجد له ظئر ، أو كان الأب عاجزاً عن الاستئجار . وقيل أراد الوالدات المطلقات . وإيجاب النفقة والكسوة لأجل الرنَفْسٌ إِلاَّ وضاع { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ } وعلى الذي يولد له وهو الوالد . و { لَهُ } في محل الرفع على الفاعلية ، نحو { عَلَيْهِمْ } في { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } الفاتحة 7 فإن قلت لم قيل { ٱلْمَوْلُودِ } له دون الوالد . قلت ليعلم أنّ الوالدات إنما ولدن لهم ، لأن الأولاد للآباء ، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات . وأنشد للمأمون بن الرشيد @ فَإنمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أوْعِيَة مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلآبَاءِ أبْنَاءُ @@ فكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن إذا أرضعن ولدهم ، كالأظآر . ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى ، وهو قوله تعالى { وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } لقمان 33 ، { بِٱلْمَعْرُوفِ } تفسيره ما يعقبه ، وهو أن لا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ولا يتضارّا . وقرىء « لا تكلف » بفتح التاء ولا نكلف بالنون . وقرىء « لا تضارُّ » بالرفع على الإخبار ، وهو يحتمل البناء للفاعل والمفعول ، وأن يكون الأصل تضارر بكسر الراء ، وتضارر بفتحها . وقرأ { لاَ تُضآرَّ } بالفتح أكثر القراء . وقرأ الحسن بالكسر على النهي ، وهو محتمل للبناءين أيضاً . ويبين ذلك أنه قرىء « لا تضارَرْ » ، ولا « تضارِرْ » ، بالجزم وفتح الراء الأولى وكسرها . وقرأ أبو جعفر لا « تضارْ » ، بالسكون مع التشديد على نية الوقف . وعن الأعرج « لا تضارْ » بالسكون والتخفيف ، وهو من ضاره يضيره . ونوى الوقف كما نواه أبو جعفر ، أو اختلس الضمة فظنه الراوي سكونا . وعن كاتب عمر بن الخطاب « لا تضرر » . والمعنى لا تضارّ والدة زوجها بسبب ولدها ، وهو أن تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة ، وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد ، وأن تقول بعد ما ألفها الصبي اطلب له ظئرًا ، وما أشبه ذلك ولا يضارّ مولود له امرأته بسبب ولده ، بأن يمنعها شيئًا مما وجب عليه من رزقها وكسوتها ولا يأخذه منها وهي تريد إرضاعه ، ولا يكرهها على الإرضاع . وكذلك إذا كان مبنياً للمفعول فهو نهي عن أي يلحق بها الضرار من قبل الزوج ، وعن أن يلحق بها الضرار بالزوج من قبلها بسبب الولد ، ويجوز أن يكون { تُضَارَّ } بمعنى تضر ، وأن تكون الباء من صلته ، أي لا تضرّ والدة بولدها ، فلا تسيء غذاءه وتعهده ، ولا تفرط فيما ينبغي له ، ولا تدفعه إلى الأب بعد ما ألفها . ولا يضرّ الوالد به بأن ينتزعه من يدها أو يقصر في حقها فتقصر هي في حق الولد . فإن قلت كيف قيل بولدها وبولده ؟ قلت لما نهيت المرأة عن المضارة أضيف إليها الولد استعطافاً لها عليه وأنه ليس بأجنبيّ منها . فمن حقها أن تشفق عليه وكذلك الوالد { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ } عطف على قوله { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } ، وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه . فكان المعنى وعلى وارث المولود له مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة ، أي إن مات المولود لزم من يرثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشريطة التي ذكرت من المعروف وتجنب الضرار . وقيل هو وارث الصبي الذي لو مات الصبي ورثه . واختلفوا ، فعند ابن أبي ليلى كل من ورثه ، وعند أبي حنيفة من كان ذا رحم محرم منه . وعند الشافعي لا نفقة فيما عدا الولاد . وقيل من ورثه من عصبته مثل الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العمّ . وقيل المراد وارث الأب وهو الصبي نفسه ، وأنه إن مات أبوه وورثه وجبت عليه أجرة رضاعه في ماله إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال أجبرت الأم على إرضاعه . وقيل على الوارث على الباقي من الأبوين من قوله 136 « واجعله الوارث منا » { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً } صادراً { عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } في ذلك ، زادا على الحولين أو نقصا ، وهذه توسعة بعد التحديد . وقيل هو في غاية الحولين لا يتجاوز ، وإنما اعتبر تراضيهما في الفصال وتشاورهما أمّا الأب فلا كلام فيه ، وأمّا الأمّ فلأنها أحق بالتربية وهي أعلم بحال الصبي . وقرىء « فإن أراد » . استرضع منقول من أرضع . يقال أرضعت المرأة الصبي ، واسترضعتها الصبي ، لتعديه إلى مفعولين ، كما تقول أنجح الحاجة ، واستنجحته الحاجة والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم ، فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه ، كما تقول استنجحت الحاجة ولا تذكر من استنجحته ، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن أحدهما عبارة عن الأوّل { إِذَا سَلَّمْتُم } إلى المراضع { مَّا ءاتَيْتُم } ما أردتم إيتاءه ، كقوله تعالى { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } المائدة 6 وقرىء « ما أتيتم » ، من أتى إليه إحساناً إذا فعله . ومنه قوله تعالى { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } مريم 61 أي مفعولاً . وروى شيبان عن عاصم « ما أوتيتم » ، أي ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة ، ونحوه { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } الحديد 7 وليس التسليم بشرط للجواز والصحة ، وإنما هو ندب إلى الأولى . ويجوز أن يكون بعثاً على أن يكون الشيء الذي تعطاه المرضع من أهنى ما يكون ، لتكون طيبة النفس راضية ، فيعود ذلك إصلاحاً لشأن الصبي واحتياطاً في أمره ، فأمرنا بإيتائه ناجزاً يداً بيد ، كأنه قيل إذا أدّيتم إليهن يداً بيد ما أعطيتموهن { بِٱلْمَعْرُوفِ } متعلق بسلمتم ، أمروا أن يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشري الوجوه . ناطقين بالقول الجميل ، مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن ، حتى يؤمن تفريطهن بقطع معاذيرهن .