Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 258-259)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ تَرَ } تعجيب من محاجة نمروذ في الله وكفره به { أَنْ آتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } متعلق بحاجَّ على وجهين أحدهما حاجّ لأن آتاه الله الملك ، على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتوَّ فحاجّ لذلك ، أو على أنه وضع المحاجة في ربه موضع ما وجب عليه من الشكر على أن آتاه الله الملك ، فكأن المحاجة كانت لذلك ، كما تقول عاداني فلان لأني أحسنت إليه ، تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان . ونحوه قوله تعالى { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } الواقعة 82 . والثاني حاجّ وقت أن آتاه الله الملك . فإن قلت كيف جاز أن يؤتي الله الملك الكافر ؟ قلت فيه قولان آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع ، وأما التغليب والتسليط فلا . وقيل ملكه امتحاناً لعباده . و { إِذْ قَالَ } نصب بحاج أو بدل من آتاه إذ جعل بمعنى الوقت { أَنَاْ أُحْىِ وَأُمِيتُ } يريد أعفو عن القتل وأقتل . وكان الاعتراض عتيداً ولكن إبراهيم لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه ، ولكن انتقل إلى ما لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أول شيء . وهذا دليل على جواز الانتقال للمجادل من حجة إلى حجة . وقريء « فبهت الذي كفر » أي فغلب إبراهيم الكافر . وقرأ أبو حيوة « فبهت » ، بوزن قرب . وقيل كانت هذه المحاجة حين كسر الأصنام وسجنه نمروذ ، ثم أخرجه من السجن ليحرقه فقال له من ربك الذي تدعو إليه ؟ فقال ربي الذي يحيي ويميت . { أَوْ كَٱلَّذِى } معناه . أو أرأيت مثل الذي مرَّ فحذف لدلالة { أَلَمْ تَرَ } عليه لأنّ كلتيهما كلمة تعجيب . ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ ، كأنه قيل أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مرّ على قرية . والمارّ كان كافراً بالبعث ، وهو الظاهر لانتظامه مع نمروذ في سلك ولكلمة الاستبعاد التي هي أَنَّىٰ يُحْيىِ . وقيل هو عزير أو الخضر ، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم عليه السلام . وقوله { أَنَّى يُحْىِ } اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء ، واستعظام لقدرة المحيي . والقرية بيت المقدس حين خربه بختنصر . وقيل هي التي خرج منها الألوف { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } تفسيره فيما بعد { يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } بناء على الظن . روي أنه مات ضحى وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس ، فقال قبل النظر إلى الشمس يوماً ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال أو بعض يوم . وروي أن طعامه كان تيناً وعنباً . وشرابه عصيراً أو لبناً ، فوجد التين والعنب كما جنيا ، والشراب على حاله { لَمْ يَتَسَنَّهْ } لم يتغير ، والهاء أصلية أو هاء سكت . واشتقاقه من السنة على الوجهين ، لأن لامها هاء أو واو ، وذلك أن الشيء يتغير بمرور الزمان . وقيل أصله يتسنن ، من الحمأ المسنون ، فقلبت نونه حرف علة ، كتقضي البازي . ويجوز أن يكون معنى { لَمْ يَتَسَنَّهْ } لم تمرّ عليه السنون التي مرت عليه ، يعني هو بحاله كما كان كأنه لم يلبث مائة سنة . وفي قراءة عبد الله « فانظر إلى طعامك وهذا شرابك لم يتسن » . وقرأ أبيّ « لم يسَّنه » ، بإدغام التاء في السين { وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } كيف تفرّقت عظامه ونخرت ، وكان له حمار قد ربطه . ويجوز أن يراد وانظر إليه سالماً في مكانه كما ربطته ، وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء ، كما حفظ طعامه وشرابه من التغير { وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً لِلنَّاسِ } فعلنا ذلك يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه ، وقيل أتى قومه راكب حماره وقال أنا عزير ، فكذبوه ، فقال هاتوا التوراة فأخذ يهذها هذاً عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب ، فما خرم حرفاً ، فقالوا هو ابن الله . ولم يقرأ التوراة ظاهراً أحد قبل عزير ، فذلك كونه آية . وقيل رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخاً وهو شاب ، فإذا حدّثهم بحديث قالوا حديث مائة سنة { وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ } هي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم { كَيْفَ نُنشِزُهَا } كيف نحييها . وقرأ الحسن « ننشرها » ، من نشر الله الموتى ، بمعنى أنشرهم فنشروا ، وقريء بالزاي ، بمعنى نحرّكها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب . وفاعل تَّبَيَّنَ مضمر تقديره فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، كما في قولهم ضربني وضربت زيداً . ويجوز فلما تبين له ما أشكل عليه ، يعني أمر إحياء الموتى . وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما « فلما تبين له » على البناء للمفعول . وقرىء « قال اعلم » ، على لفظ الأمر وقرأ عبد الله « قيل اعلم » . فإن قلت فإن كان المارّ كافراً فكيف يسوغ أن يكلمه الله ؟ قلت كان الكلام بعد البعث ولم يكن إذ ذاك كافراً .