Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 28-29)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى الهمزة التي في { كَيْفَ } مثله في قولك أتكفرون بالله ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان ، وهو الإنكار والتعجب . ونظيره قولك أتطير بغير جناج ، وكيف تطير بغير جناح ؟ فإن قلت قولك أتطير بغير جناح إنكار للطيران ، لأنه مستحيل بغير جناح ، وأما الكفر فغير مستحيل مع ما ذكر من الإماتة والإحياء . قلت قد أخرج في صورة المستحيل لما قوى من الصارف عن الكفر والداعي إلى الإيمان . فإن قلت فقد تبين أمر الهمزة وأنها لإنكار الفعل والإيذان باستحالته في نفسه ، أو لقوة الصارف عنه ، فما تقول في { كَيْفَ } حيث كان إنكاراً للحال التي يقع عليها كفرهم ؟ قلت حال الشيء تابعة لذاته ، فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال فكان إنكار حال الكفار لأنها تبيع ذات الكفر ورديفها إنكاراً لذات الكفر ، وثباتها على طريق الكناية ، وذلك أقوى لإنكار الكفر وأبلغ . وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها . وقد علم أنّ كل موجود لا ينفك عن حال وصفةٍ عند وجوده . ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكاراً لوجوده على الطريق البرهاني . والواو في قوله { وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا } للحال ، فإن قلت فكيف صح أن يكون حالاً وهو ماض ، ولا يقال جئت وقام الأمير ، ولكن وقد قام ، إلا لأن يضمر قد ؟ قلت لم تدخل الواو على { كُنتُمْ أَمْوٰتاً } وحده ، ولكن على جملة قوله { كُنتُمْ أَمْوٰتاً } إلى { تُرْجَعُونَ } ، كأنه قيل كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتاً نطفاً في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء ثم يميتكم بعد هذه الحياة ، ثم يحييكم بعد الموت ، ثم يحاسبكم . فإن قلت بعض القصة ماض وبعضها مستقبل ، والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقعا حالاً حتى يكون فعلاً حاضراً وقت وجود ما هو حال عنه ، فما الحاضر الذي وقع حالاً ؟ قلت هو العلم بالقصة ، كأنه قيل كيف تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة بأولها وآخرها . فإن قلت فقد آل المعنى إلى قولك على أي حال تكفرون في حال علمكم بهذه القصة فما وجه صحته ؟ قلت قد ذكرنا أنّ معنى الاستفهام في { كَيْفَ } الإنكار . وأنّ إنكار الحال متضمن لإنكار الذات على سبيل الكناية ، فكأنه قيل ما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه ! فإن قلت إن اتصل علمهم بأنهم كانوا أمواتاً فأحياهم ثم يميتهم ، فلم يتصل بالإحياء الثاني والرجوع ؟ قلت قد تمكنوا من العلم بهما بالدلائل الموصلة إليه ، فكان ذلك بمنزلة حصول العلم . وكثير منهم علموا ثم عاندوا . والأموات جمع ميت ، كالأقوال في جمع قَيِّل . فإن قلت كيف قيل لهم أموات في حال كونهم جماداً ، وإنما يقال ميت فيما يصح فيه الحياة من البتى ؟ قلت بل يقال ذلك لعادم الحياة ، كقوله { بَلْدَةً مَّيْتاً } الفرقان 49 ، { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلاْرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } يس 33 ، { أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء } النحل 21 . ويجوز أن يكون استعارة لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس ، فإن قلت ما المراد بالإحياء الثاني ؟ قلت يجوز أن يراد به الإحياء في القبر وبالرجوع النشور . وأن يراد به النشور ، وبالرجوع المصير إلى الجزاء . فإن قلت لم كان العطف الأوّل بالفاء والإعقاب بثم ؟ قلت لأنّ الإحياء الأوّل قد تعقب الموت بغير تراخ ، وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء . والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت ـــ إن أريد به النشور ـــ تراخيا ظاهراً . وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخ عن النشور . فإن قلت من أين أنكر اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها الله ، ألأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر ، أم على نعم جسام حقها أن تشكر ولا تكفر ؟ قلت يحتمل الأمرين جميعاً ، لأنّ ما عدّده آيات وهي مع كونها آيات من أعظم النعم . { قبلكمْ } لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم . أما الانتفاع الدنيوي فظاهر . وأمّا الانتفاع الديني فالنظر فيه وما فيه من عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر الحكيم ، وما فيه من التذكير بالآخرة وبثوابها وعقابها ، لاشتماله على أسباب الأنس واللذة من فنون المطاعم والمشارب والفواكه والمناكح والمراكب والمناظر الحسنة البهية ، وعلى أسباب الوحشة والمشقة من أنواع المكاره كالنيران والصواعق والسباع والأحناش والسموم والغموم والمخاوف . وقد استدل بقوله { خَلَقَ لَكُمْ } على أنّ الأشياء التي يصح أن ينتفع بها ولم تجر مجرى المحظورات في العقل خلقت في الأصل مباحة مطلقاً لكل أحد أن يتناولها ويستنفع بها . فإن قلت هل لقول من زعم أنّ المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة ؟ قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء وتراد الجهات العلوية جاز ذلك ، فإنّ الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية . و { جَمِيعاً } نصب على الحال من الموصول الثاني . والاستواء الاعتدال والاستقامة . يقال استوى العود وغيره ، إذا قام واعتدل ، ثم قيل استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصداً مستوياً ، من غير أن يلوي على شيء . ومنه استعير قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } ، أي قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض ، من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر . والمراد بالسماء جهات العلو ، كأنه قيل ثم استوى إلى فوق . والضمير في { فَسَوَّاهُنَّ } ضمير مبهم . و { سَبْعَ سَمَـٰوٰتٍ } تفسيره ، كقولهم ربه رجلاً . وقيل الضمير راجع إلى السماء . والسماء في معنى الجنس . وقيل جمع سماءة ، والوجه العربي هو الأوّل . ومعنى تسويتهنّ تعديل خلقهنّ ، وتقديمه ، وإخلاؤه من العوج والفطور ، أو إتمام خلقهنّ { وَهُوَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } فمن ثم خلقهنّ خلقاً مستوياً محكماً من غير تفاوت ، مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم ، فإن قلت ما فسرت به معنى الاستواء إلى السماء يناقضه ثم لإعطائه معنى التراخي والمهلة قلت ثم ههنا لما بين الخلقين من التفاوت وفضل خلق السمٰوات على خلق الأرض ، لا للتراخي في الوقت كقوله { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } البلد 17 . على أنه لو كان لمعنى التراخي في الوقت لم يلزم ما اعترضت به ، لأن المعنىأنه حين قصد إلى السماء لم يحدث فيما بين ذلك ـــ أي في تضاعيف القصد إليها ـــ خلقاً آخر . فإن قلت أما يناقض هذا قوله { وَٱلاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } النازعات 30 ؟ قلت لا لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء . وأمّا دحوها فمتأخر . وعن الحسن خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر ، عليها دخان ملتزق بها ، ثم أصعد الدخان وخلق منه السمٰوات ، وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض ، فذلك قوله { كَانَتَا رَتْقاً } الأنبياء 30 وهو الالتزاق .