Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-33)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ } نصب بإضمار اذكر . ويجوز أن ينتصب بقالوا . والملائكة جمع ملأك على الأصل ، كالشمائل في جمع شمأل . وإلحاق التاء لتأنيث الجمع . و { جَاعِلٌ } من جعل الذي له مفعولان ، دخل على المبتدأ والخبر وهما قوله { فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً } فكانا مفعوليه . ومعناه مُصَيّرٌ في الأرض خليفة . والخليفة من يخلف غيره . والمعنى خليفة منكم ، لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته . فإن قلت فهلا قيل خلائف ، أو خلفاء ؟ قلت أريد بالخليفة آدم . واستغني بذكره عن ذكر بنيه كما استغنى بذكر أبي القبيلة في قولك مضر وهاشم . أو أريد من يخلفكم ، أو خلفاً يخلفكم فوحد لذلك . وقرىء « خليقة » بالقاف ويجوز أن يريد خليفة مني ، لأنّ آدم كان خليفة الله في ارضه وكذلك كلّ نبي { إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلاْرْضِ } ص26 . فإن قلت لأي غرض أخبرهم بذلك ؟ قلت ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم ، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم . وقيل ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها ، وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم ، وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة { أَتَجْعَلُ فِيهَا } تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يفعل إلا الخير ولا يريد إلا الخير . فإن قلت من أين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه وإنما هو غيب ؟ قلت عرفوه بإخبار من الله ، أو من جهة اللوح ، أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون ، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم ، أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر حيث أسكنوا الأرض فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة . وقرىء « يسفُك » ، بضم الفاء . ويُسفك . ويَسفك ، من أسفك . وسفك . والواو في { وَنَحْنُ } للحال ، كما تقول أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان . والتسبيح تبعيد الله عن السوء ، وكذلك تقديسه ، من سبح في الأرض والماء . وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد . و { بِحَمْدِكَ } في موضع الحال ، أي نسبح حامدين لك وملتبسين بحمدك لأنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف لم نتمكن من عبادتك . { أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أعلم من المصالح في ذلك ما هو خفي عليكم . فإن قلت هلا بين لهم تلك المصالح ؟ قلت كفى العباد أن يعلموا أن أفعال الله كلها حسنة وحكمة ، وإن خفي عليهم وجه الحسن والحكمة . على أنه قد بين لهم بعض ذلك فيما أَتبعه من قوله { وَعَلَّمَ ءادَمَ ٱلاسْمَاء كُلَّهَا } واشتقاقهم { ءادَمَ } من الأدمة ، ومن أديم الأرض ، نحو اشتقاقهم يعقوب من العقب ، و إدريس من الدرس ، و إبليس من الإبلاس . وما آدم إلا اسم أعجمي وأقرب أمره أن يكون على فاعل ، كآزر ، وعازر ، وعابر وشالخ . وفالغ ، وأشباه ذلك { ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلوماً مدلولاً عليه بذكر الأسماء ، لأن الاسم لا بد له من مسمى ، وعوض منه اللام كقوله { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ } مريم4 . فإن قلت هلا زعمت أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وأن الأصل وعلم آدم مسميات الأسماء ؟ قلت لأن التعليم وجب تعليقه بالأسماء لا بالمسميات لقوله { أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء } ، { أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم } فكما علق الإنباء بالأسماء لا بالمسميات ولم يقل أنبئوني بهؤلاء ، وأنبئهم بهم ، وجب تعليق التعليم بها . فإن قلت فما معنى تعليمه أسماء المسميات ؟ قلت أراه الأجناس التي خلقها ، وعلمه أن هذا اسمه فرس ، وهذا اسمه بعير ، وهذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا ، وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أي عرض المسميات . وإنما ذكّر لأن في المسميات العقلاء فغلبهم . وإنما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء على سبيل التبكيت { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يعني في زعمكم أني أستخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء إرادة للرد عليهم ، وأن فيمن يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ، ما يستأهلون لأجله أن يستخلفوا . فأراهم بذلك وبين لهم بعض ما أجمل من ذكر المصالح في استخلافهم في قوله { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . وقوله { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضِ } استحضار لقوله لهم { إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، إلا أنه جاء به على وجه أبسط من ذلك وأشرح . وقرىء « وعُلم آدم » على البناء للمفعول . وقرأ عبد الله « عرضهن » . وقرأ أُبيّ « عرضها » . والمعنى عرض مسمياتهن أو مسمياتها لأن العرض لا يصح في الأسماء . وقرىء « أنبيهم » بقلب الهمزة ياء . « وأنبهم » بحذفها والهاء مكسورة فيهما .