Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } إما موصول بالمتقين على أنه صفة مجرورة ، أو مدح منصوب ، أو مرفوع بتقدير أعني الذين يؤمنون ، أو هم الذين يؤمنون . وإما مقتطع عن المتقين مرفوع على الابتداء مخبر عنه بــ أولئك على هدى . فإذا كان موصولاً ، كان الوقف على المتقين حسناً غير تامّ . وإذا كان مقتطعاً ، كان وقفاً تاماً . فإن قلت ما هذه الصفة ، أواردة بياناً وكشفاً للمتقين ؟ أم مسرودة مع المتقين تفيد غير فائدتها ؟ أم جاءت على سبيل المدح والثناء كصفات الله الجارية عليه تمجيداً ؟ قلت يحتمل أن ترد على طريق البيان والكشف لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من فعل الحسنات وترك السيئات . أمّا الفعل فقد انطوى تحت ذكر الإيمان الذي هو أساس الحسنات ومنصبها ، وذكر الصلاة والصدقة لأنّ هاتين أُمّا العبادات البدنية والمالية ، وهما العيار على غيرهما . ألم تر كيف سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم14 " الصلاة عماد الدين . " 16 وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة ؟ 15 . وسمى الزكاةقنطرة الإسلام ؟ وقال الله تعالى { وويلٌ لّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } فصلت 6 ـــ 7 . فلما كانتا بهذه المثابة كان من شأنهما استجرار سائر العبادات واستتباعها . ومن ثم اختصر الكلام اختصاراً ، بأن استغنى عن عدّ الطاعات بذكر ما هو كالعنوان لها ، والذي إذا وجد لم تتوقف أخواته أن تقترن به ، مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين . وأما الترك فكذلك . ألا ترى إلى قوله تعالى { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } العنكبوت 45 ؟ ويحتمل أن لا تكون بياناً للمتقين ، وتكون صفة برأسها دالة على فعل الطاعات ، ويراد بالمتقين الذين يجتنبون المعاصي . ويحتمل أن تكون مدحاً للموصوفين بالتقوى ، وتخصيصاً للإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر إظهاراً لإنافتها عن سائر ما يدخل تحت حقيقة هذا الاسم من الحسنات . والإيمان إفعال من الأمن . يقال أمنته وآمنته غيري . ثم يقال آمنه إذا صدّقه . وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة . وأمّا تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقرّ وأعترف . وأمّا ما حكى أبو زيد عن العرب ما آمنت أن أجد صحابة ـــ أي ما وثقت ــ فحقيقته صرت ذا أمن به ، أي ذا سكون وطمأنينة ، وكلا الوجهين حسن في { يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } أي يعترفون به أو يثقون بأنه حق . ويجوز أن لا يكون { بِٱلْغَيْبِ } صلة للإيمان ، وأن يكون في موضع الحال ، أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به . وحقيقته ملتبسين بالغيب ، كقوله { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } فاطر 18 ، { لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } يوسف 52 . ويعضده ما روى « أن أصحاب عبد الله ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانهم ، فقال ابن مسعود إنّ أمر محمد كان بيناً لمن رآه . والذي لا إله غيره ، ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ هذه الآية . فإن قلت فما المراد بالغيب إن جعلته صلة ؟ وإن جعلته حالاً ؟ قلت إن جعلته صلة كان بمعنى الغائب ، إمّا تسمية بالمصدر من قولك غاب الشيء غيباً ، كما سمي الشاهد بالشهادة . قال الله تعالى { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } الزمر 46 . والعرب تسمي المطمئن من الأرض غيباً . وعن النضر بن شميل شربت الإبل حتى وارت غيوب كلاها . يريد بالغيب الخمصة التي تكون في موضع الكلية ، إذا بطنت الدابة انتفخت . وإما أن يكون فيعلا فخفف ، كما قيل وأصله قيل . والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم اللطيف الخبير ، وإنما نعلم منه نحن ما أعلمناه ، أو نصب لنا دليلاً عليه . ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال فلان يعلم الغيب . وذلك نحو الصانع وصفاته ، والنبوّات وما يتعلق بها ، والبعث والنشور والحساب والوعد والوعيد ، وغير ذلك . وإن جعلته حالاً كان بمعنى الغيبة والخفاء . فإن قلت ما الإيمان الصحيح ؟ قلت أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ، ويصدّقه بعمله . فمن أخل بالاعتقاد ـــ وإن شهد وعمل ـــ فهو منافق . ومن أخل بالشهادة فهو كافر . ومن أخل بالعمل فهو فاسق . ومعنى إقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها ، من أقام العود ـــ إذا قوّمه ـــ أو الدوام عليها والمحافظة عليها ، كما قال عز وعلا { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ } المعارج 23 ، { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ } المؤمنون 9 من قامت السوق إذا نفقت ، وأقامها . قال @ أَقَامَتْ غَزَالَةُ سُوقَ الضِّرَابِ لِأَهْلِ العِرَاقيْنِ حَولاً قمِيطَا @@ لأنها إذا حوفظ عليها ، كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات ويتنافس فيه المحصلون . وإذا عطلت وأضيعت ، كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه . أو التجلد والتشمر لأدائها . وأن لا يكون في مؤدّيها فتور عنها ولا توان ، من قولهم قام بالأمر ، وقامت الحرب على ساقها . وفي ضدّه قعد عن الأمر ، وتقاعد عنه ـــ إذا تقاعس وتثبط ـــ أو أداؤها ، فعبر عن الأداء بالإقامة لأنّ القيام بعض أركانها ، كما عبر عنه بالقنوت ـــ والقنوت القيام ـــ وبالركوع وبالسجود ، وقالوا سبح ، إذا صلى لوجود التسبيح فيها . { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ } الصافات 143 . والصلاة فعلة من صلى ، كالزكاة من زكى . وكتابتها بالواو على لفظ المفخم . وحقيقة صلى حرّك الصلوين لأن المصلي يُفعل ذلك في ركوعه وسجوده . ونظيره كفر اليهودي إذا طأطأ رأسه وانحنى عند تعظيم صاحبه لأنه ينثني على الكاذتين وهما الكافرتان . وقيل للداعي مصلّ ، تشبيهاً في تخشعه بالراكع والساجد . وإسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ينفقون الحلال الطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله ، ويسمى رزقاً منه . وأدخل من التبعيضية صيانة لهم وكفا عن الإسراف والتبذير المنهى عنه . وقدّم مفعول الفعل دلالة على كونه أهم ، كأنه قال ويخصون بعض المال الحلال بالتصدّق به . وجائز أن يراد به الزكاة المفروضة ، لاقترانه بأخت الزكاة وشقيقتها وهي الصلاة ، وأن تراد هي وغيرها من النفقات في سبيل الخير ، لمجيئه مطلقاً يصلح أن يتناول كل منفق . وأنفق الشيء وأنفده أخوان . وعن يعقوب نفق الشيء ، ونفد واحد . وكل ما جاء مما فاؤه نون وعينه فاء ، فدالّ على معنى الخروج والذهاب ونحو ذلك إذا تأملت .