Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-73)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتله ابنه بنو أخيه ليرثوه ، وطرحوه على باب مدينة ثم جاءوا يطالبون بديته ، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله { قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } أتجعلنا مكان هزو ، أو أهل هزو ، أو مهزواً بنا ، أو الهزو نفسه لفرط الاستهزاء { مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } لأن الهزو في مثل هذا من باب الجهل والسفه . وقرى « هزؤاً » بضمتين . و « هزءاً » بسكون الزاي ، نحو كفؤا وكفؤاً . وقرأ حفص « هزواً » بالضمتين والواو وكذلك « كفواً » . والعياذ واللياذ من واد واحد . في قراءة عبد الله « سل لنا ربك ما هي » ؟ سؤال عن حالها وصفتها . وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا ، فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن الخارجة عما عليه البقر . والفارض المسنة ، وقد فرضت فروضاً فهي فارض . قال خفاف بن ندبة @ لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْطَيْتُ ضَيْفَكَ فَارِضاً تُسَاقُ إلَيْهِ مَا تَقُومُ عَلَى رِجْلِ @@ وكأنها سميت فارضاً لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها . والبكر الفتية . والعوان النصف . قال @ نَوَاعِمُ بَيْنَ أَبْكَارٍ وَعُونِ @@ وقد عوّنْت . فإن قلت { بَيْنَ } يقتضي شيئين فصاعداً فمن أين جاز دخوله على { ذٰلِكَ } قلت لأنه في معنى شيئين حيث وقع مشاراً به إلى ما ذكر من الفارض والبكر . فإن قلت كيف جاز أن يشار به إلى مؤنثين ، وإنما هو للإشارة إلى واحد مذكر ؟ قلت جاز ذلك على تأويل ما ذكر وما تقدّم ، للاختصار في الكلام ، كما جعلوا فعل نائباً عن أفعال جمة تذكر قبله تقول للرجل نعم ما فعلت ، وقد ذكر لك أفعالاً كثيرة وقصة طويلة ، كما تقول له ما أحسن ذلك . وقد يجري الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا . قال أبو عبيدة قلت لرؤبة في قوله @ فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وبَلَق كَأَنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ @@ إن أردت الخطوط فقل كأنها . وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما . فقال أردت كأن ذاك ويلك ! والذي حسن منه أنّ أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليست على الحقيقة وكذلك الموصولات . ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع { مَا تُؤْمَرونَ } أي ما تؤمرونه بمعنى تؤمرون به من قوله أمرتك الخير أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول به بالمصدر ، كضرب الأمير . الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه . يقال في التوكيد أصفر فاقع ووارس ، كما يقال أسود حالك وحانك ، وأبيض يقق ولهق . وأحمر قاني وذريحي . وأخضر ناضر ومدهامّ . وأورق خطبانيّ وأرمك ردانيّ . فإن قلت فاقع ههنا واقع خبراً عن اللون ، فلم يقع توكيداً لصفراء قلت لم يقع خبراً عن اللون إنما وقع توكيداً لصفراء ، إلا أنه ارتفع اللون به ارتفاع الفاعل واللون من سببها وملتبس بها ، فلم يكن فرق بين قولك صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها . فإن قلت فهلا قيل صفراء فاقعة ؟ وأي فائدة في ذكر اللون ؟ قلت الفائدة فيه التوكيد ، لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة ، فكأنه قيل شديدة الصفرة صفرتها ، فهو من قولك جدّ جدّه ، وجنونك مجنون . وعن وهب إذا نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها والسرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه . وعن علي رضي الله عنه من لبس نعلاً صفراء قل همه لقوله تعالى { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } وعن الحسن البصري { صَفْرآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } سوداء شديدة السواد . ولعله مستعار من صفة الإبل لأن سوادها تعلوه صفرة . وبه فسر قوله تعالى { جمالات صُفْرٌ } المرسلات 33 . قال الأعشى @ تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْرٌ أَوْلاَدُهَا كَالزَّبِيبِ @@ { مَا هِىَ } مرة ثانية تكرير للسؤال عن حالها وصفتها ، واستكشاف زائد ليزدادوا بياناً لوصفها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 39 " لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم " والاستقصاء شؤم . وعن بعض الخلفاء أنه كتب إلى عامله بأن يذهب إلى قوم فيقطع أشجارهم ويهدم دورهم ، فكتب إليه بأيهما أبدأ ؟ فقال إن قلت لك بقطع الشجر سألتني بأي نوع منها أبدأ ؟ وعن عمر بن عبد العزيز إذا أمرتك أن تعطي فلاناً شاة سألتني أضائن أم ماعز ؟ فإن بينت لك قلت أذكر أم أنثى ؟ فإن أخبرتك قلت أسوداء أم بيضاء ؟ فإذا أمرتك بشيء فلا تراجعني . وفي الحديث 40 " أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم لأجل مسئلته " { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح وقرىء « تشّابه » ، بمعنى تتشابه بطرح التاء وإدغامها في الشين . وتشابهت ومتشابهة ومتشابه . وقرأ محمد ذو الشامة إن الباقر يشَّابه ، بالياء والتشديد . جاء في الحديث 41 " لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " أي لو لم يقولوا إن شاء الله . والمعنى إنا لمهتدون إلى البقرة المراد ذبحها . ، أو إلى ما خفي علينا من أمر القاتل { لاَّ ذَلُولٌ } صفة لبقرة بمعنى بقرة غير ذلول ، يعني لم تذلل للكراب وإثارة الأرض ، ولا هي من النواضح التي يسنى عليها لسقي الحروث ، ولا الأولى للنفي ، والثانية مزيدة لتوكيد الأولى ، لأن المعنى لا ذلول تثير وتسقي . على أنّ الفعلين صفتان لذلول ، كأنه قيل لا ذلول مثيرة وساقية . وقرأ أبو عبد الرحمٰن السلمي لا ذلول ، بمعنى لا ذلول هناك أي حيث هي ، وهو نفي لذلها ولأن توصف به فيقال هي ذلول . ونحوه قولك مررت بقوم لا بخيل ولا جبان . أي فيهم ، أو حيث هم . وقرىء « تُسقي » بضم التاء من أسقى { مُسَلَّمَةٌ } سلمها الله من العيوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها منها كقوله @ أَوْ مَعْبَرَ الظَّهْرِ يُنْبِي عَنْ وَلِيَّتِه مَا حَجَّ رَبُهُ فِي الدُّنْيَا وَلاَ اعْتَمَرَا @@ أو مخلصة اللون ، من سلم له كذا إذا خلص له ، لم يشب صفرتها شيء من الألوان { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } لا لمعة في نقبتها من لون آخر سوى الصفرة ، فهى صفراء كلها حتى قرنها وظلفها . وهي في الأصل مصدر وشاه وشيا وشية ، إذا خلط بلونه لوناً آخر ، ومنه ثور موشى القوائم { جِئْتَ بِٱلْحَقّ } أي بحقيقة وصف البقرة ، وما بقي إشكال في أمرها { فَذَبَحُوهَا } أي فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها . وقوله { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } استثقال لاستقصائهم واستبطاء لهم ، وأنهم لتطويلهم المفرط وكثرة استكشافهم ، ما كادوا يذبحونها وما كادت تنتهي سؤالاتهم وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم ، وقيل وما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها . وقيل لخوف الفضيحة في ظهور القاتل . وروي أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عِجلة فأتى بها الغيضة وقال اللَّهم إني أستودعكها لابني حتى يكبر ، وكان براً بوالديه ، فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنه ، فساوموها اليتيم وأمّه حتى اشتروها بملء مَسْكِها ذهباً ، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة . فإن قلت كانت البقرة التي تناولها الأمر بقرة من شق البقر غير مخصوصة ، ثم انقلبت مخصوصة بلون وصفات ، فذبحوا المخصوصة ، فما فعل الأمر الأوّل ؟ قلت رجع منسوخاً لانتقال الحكم إلى البقرة المخصوصة ، والنسخ قبل الفعل جائز . على أنّ الخطاب كان لإبهامه متناولاً لهذه البقرة الموصوفة كما تناول غيرها ، ولو وقع الذبح عليها بحكم الخطاب قبل التخصيص لكان امتثالاً له ، فكذلك إذا وقع عليها بعد التخصيص { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم { فَٱدرَأْتُمْ } فاختلفتم واختصمتم في شأنها ، لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاً ، أي يدفعه ويزحمه . أو تدافعتم ، بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض ، فدفع المطروح عليه الطارح . أو لأنّ الطرح في نفسه دفع . أو دفع بعضكم بعضاً عن البراءة واتهمه { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل لا يتركه مكتوماً . فإن قلت كيف أعمل مخرج وهو في معنى المضيّ ؟ قلت وقد حكى ما كان مستقبلاً في وقت التدارؤ . كما حكى الحاضر في قوله { بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } الكهف 18 وهذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وهما ادّارأتم و فقلنا والضمير في { ٱضْرِبُوهُ } إمّا أن يرجع إلى النفس والتذكير على تأويل الشخص والإنسان ، وإمّا إلى القتيل لما دلّ عليه من قوله ما كنتم تكتمون . { بِبَعْضِهَا } ببعض البقرة . واختلف في البعض الذي ضرب به ، فقيل لسانها ، وقيل فخذها اليمنى ، وقيل عَجْبها ، وقيل العظم الذي يلي الغضروف وهوأصل الأذن ، وقيل الأذن ، وقيل البضعة بين الكتفين . والمعنى فضربوه فحيي ، فحذف ذلك لدلالة قوله { كَذٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } . وروي أنهم لمّا ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دماً ، وقال قتلني فلان وفلان لابني عمه ، ثم سقط ميتاً ، فأخذا وقتلا ولم يورّث قاتل بعد ذلك . { كَذٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } إما أن يكون خطاباً للذين حضروا حياة القتيل بمعنى وقلنا لهم كذلك يحيي الله الموتى يوم القيامة { وَيُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } ودلائله على أنه قادر على كل شيء { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } تعملون على قضية عقولكم . وأن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص حتى لا تنكروا البعث . وإما أن يكون خطاباً للمنكرين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن قلت هلا أحياه ابتداء ؟ ولم شرط في إحيائه ذبح البقرة وضربه ببعضها ؟ قلت في الأسباب والشروط حكم وفوائد . وإنما شرط ذلك لما في ذبح البقرة من التقرّب وأداء التكاليف واكتساب الثواب والإشعار بحسن تقديم القربة على الطلب ، وما في التشديد عليهم لتشديدهم من اللطف لهم ، ولآخرين في ترك التشديد والمسارعة إلى امتثال أوامر الله تعالى وارتسامها على الفور ، من غير تفتيش وتكثير سؤال ، ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة ، والدلالة على بركة البرّ بالوالدين ، والشفقة على الأولاد ، وتجهيل الهازىء بما لا يعلم كنهه ، ولا يطلع على حقيقته من كلام الحكماء ، وبيان أنّ من حق المتقرّب إلى ربه أن يتنوّق في اختيار ما يتقرّب به ، وأن يختاره فتيّ السنِّ غير قحم ولا ضرع ، حسن اللون برياً من العيوب يونق من ينظر إليه ، وأن يغالى بثمنه ، كما يروى عن عمر رضي الله عنه 42 أنه ضحى بنجيبة بثلاثمائة دينار ، وأنّ الزيادة في الخطاب نسخ له ، وأن النسخ قبل الفعل جائز وإن لم يجز قبل وقت الفعل وإمكانه لأدائه إلى البداء ، وليعلم بما أمر من مسّ الميت بالميت وحصول الحياة عقيبه أن المؤثر هو المسبب لا الأسباب ، لأن الموتين الحاصلين في الجسمين لا يعقل أن تتولد منهما حياة . فإن قلت فما للقصة لم تقص على ترتيبها ، وكان حقها أن يقدّم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها ، وأن يقال وإذا قتلتم نفساً فأدّارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ؟ قلت كل ما قصّ من قصص بني إسرائيل إنما قصّ تعديداً لما وجد منهم من الجنايات ، وتقريعاً لهم عليها ، ولمّا جدّد فيهم من الآيات العظام . وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين ، فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك . والثانية للتقريع على قتل النفس المحرّمة وما يتبعه من الآية العظيمة . وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع . ولقد روعيت نكتة بعدما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى ، دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله { ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وتثنيتهِ بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها ، وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة .