Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-6)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قدّم ذكر أوليائه وخالصة عباده بصفاتهم التي أهلتهم لإصابة الزلفى عنده ، وبين أن الكتاب هدى ولطف لهم خاصة ، قفى على أثره بذكر أضدادهم وهم العتاة المردة من الكفار الذين لا ينفع فيهم الهدى ، ولا يجدي عليهم اللطف ، وسواء عليهم وجود الكتاب وعدمه ، وإنذار الرسول وسكوته . فإن قلت لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قوله { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } الانفطار 13 - 14 وغيره من الآي الكثيرة ؟ قلت ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هدى للمتقين ، وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت ، فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب ، وهما على حدّ لا مجال فيه للعاطف . فإن قلت هذا إذا زعمت أن الذين يؤمنون جار على المتقين ، فأمّا إذا ابتدأته وبنيت الكلام لصفة المؤمنين ، ثم عقبته بكلام آخر في صفة أضدادهم ، كان مثل تلك الآي المتلوّة . قلت قد مرّ لي أن الكلام المبتدأ عقيب المتقين سبيله الاستئناف ، وأنه مبنيّ على تقدير سؤال ، فذلك إدراج له في حكم المتقين ، وتابع له في المعنى وإن كان مبتدأ في اللفظ فهو في الحقيقة كالجاري عليه . والتعريف في { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يجوز أن يكون للعهد وأن يراد بهم ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهم ، وأن يكون للجنس متناولاً كلّ من صمم على كفره تصميماً لا يرعوي بعده وغيرهم ، ودل على تناوله للمصرين الحديث عنهم باستواء الإنذار وتركه عليهم ، و { سَوَآءٌ } اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر . ومنه قوله تعالى { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } آل عمران 64 ، { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لّلسَّائِلِينَ } فصلت 10 بمعنى مستوية وارتفاعه على أنه خبر لإنّ ، و { ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ َ } في موضع المرتفع به على الفاعلية كأنه قيل إنّ الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه . كما تقول إنّ زيداً مختصم أخوه وابن عمه أو يكون { أأنذرتهم أم لم تنذرهم } في موضع الابتداء ، { وسواء } خبراً مقدّماً بمعنى سواء عليهم إنذارك وعدمه ، والجملة خبر لإنّ . فإن قلت الفعل أبداً خبر لا مخبر عنه فكيف صحّ الإخبار عنه في هذا الكلام ؟ قلت هو من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى ، وقد وجدنا العرب يميلون في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلاً بيناً ، من ذلك قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، معناه لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن ، وإن كان ظاهر اللفظ على ما لا يصح من عطف الاسم على الفعل . والهمزة وأم مجرّدتان لمعنى الاستواء وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأساً . قال سيبويه جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء قولك اللهمّ اغفر لنا أيتها العصابة ، يعني أنّ هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام ، كما أن ذلك جرى على صورة النداء ولا نداء . ومعنى الاستواء استواؤهما في علم المستفهم عنهما لأنه قد علم أن أحد الأمرين كائن ، إمّا الإنذار وإمّا عدمه ، ولكن لا بعينه ، فكلاهما معلوم بعلم غير معين . وقرىء « أأنذرتهم » بتحقيق الهمزتين ، والتخفيف أعرب وأكثر ، وبتخفيف الثانية بين بين ، وبتوسيط ألف بينهما محققتين ، وبتوسيطها والثانية بين بين ، وبحذف حرف الاستفهام ، وبحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله ، كما قرىء « قد أفلح » . فإن قلت ما تقول فيمن يقلب الثانية ألفاً ؟ قلت هو لاحن خارج عن كلام العرب خروجين أحدهما الإقدام على جمع الساكنين على غير حدّه ـــ وحدّه أن يكون الأوّل حرف لين والثاني حرفاً مدغماً نحو قوله الضالين ، وخويصة والثاني إخطاء طريق التخفيف لأن طريق تخفيف الهمزة المتحرّكة المفتوح ما قبلها أن تخرج بين بين فأما القلب ألفاً فهو تخفيف الهمزة الساكنة المفتوح ما قبلها كهمزة رأس . والإنذار التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي . فإن قلت ما موقع { لاَ يُؤْمِنُونَ } ؟ قلت إمّا أن يكون جملة مؤكدة للجملة قبلها ، أو خبراً لإنّ والجملة قبلها اعتراض .