Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 51-54)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سأله عن حال من تقدم وخلا من القرون ، وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد ، فأجابه بأنّ هذا سؤال عن الغيب ، وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو ، وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب ، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ، لا يجوز على الله أن يخطيء شيئاً أو ينساه . يقال ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له ، كقولك ضللت الطريق والمنزل . وقرىء « يضل » من أضله إذا ضيعه . وعن ابن عباس لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه ، ولا يترك من وحده حتى يجازيه . ويجوز أن يكون فرعون قد نازعه في إحاطة الله بكل شيء وتبينه لكل معلوم ، فتعنت ، وقال ما تقول في سوالف القرون ، وتمادي كثرتهم ، وتباعد أطراف عددهم ، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم ؟ فأجاب بأنّ كل كائن محيط به علمه ، وهو مثبت عنده في كتاب ، ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان ، كما يجوزان عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل ، أي لا يضلّ كما تضل أنت ، ولا ينسى كما تنسى يا مدعي الربوبية بالجهل والوقاحة { ٱلَّذِى جَعَلَ } مرفوع صفة لربي . أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح ، وهذا من مظانه ومجازه { مَهْداً } قراءة أهل الكوفة ، أي مهدها مهداً . أو يتمهدونها فهي لهم كالمهد وهو ما يمهد للصبي { وَسَلَكَ } من قوله تعالى { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } المدثر 42 ، { سَلَكْنَاهُ } الشعراء 200 ، { نَسْلُكُهُ فِى قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } الحجر 12 أي حصل لكم فيها سبلاً ووسطها بين الجبال والأودية والبراري { فَأَخْرَجْنَا } انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع ، لما ذكرت من الافتنان والإيذان بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره ، وتذعن الأجناس المتفاوتة لمشيئته ، لا يمتنع شيء عن إرادته . ومثله قوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء } الأنعام 99 ، { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } فاطر 27 ، { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء مآء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } النمل 60 وفيه تخصيص أيضاً بأنا نحن نقدر على مثل هذا ، ولا يدخل تحت قدرة أحد { أَزْوٰجاً } أصنافاً ، سميت بذلك لأنها مزدوجة ومقترنة بعضها مع بعض { شَتَّىٰ } صفة للأزواج ، جمع شتيت ، كمريض ومرضى . ويجوز أن يكون صفة للنبات . والنبات مصدر سمي به النابت كما سمي بالنبت ، فاستوى فيه الواحد والجمع ، يعني أنها شتى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل ، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم . قالوا من نعمته عزّ وعلا أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام . وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله ، أي قائلين { كُلُواْ وَٱرْعَوْا } حال من الضمير في { فَأَخْرَجْنَا } المعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها ، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها .