Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى } أي جلدهما . ويجوز أن يكون الخبر { فَٱجْلِدُواْ } ، وإنما دخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمينه معنى الشرط ، تقديره التي زنت ، والذي زنى فاجلدوهما ، كما تقول من زنى فاجلدوه ، وكقوله { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَٱجْلِدُوهُمْ } النور 4 . وقرىء بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر ، وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر . وقرىء « والزان » بلا ياء . والجلد ضرب الجلد ، يقال جلده ، كقولك ظهره وبطنه ورأسه . فإن قلت أهذا حكم جميع الزناة والزواني ، أم حكم بعضهم ؟ قلت بل هو حكم من ليس بمحصن منهم ، فإنّ المحصن حكمه الرجم . وشرائط الإحصان عند أبي حنيفة ست الإسلام ، والحرية ، والعقل ، والبلوغ ، والتزوج بنكاح صحيح ، والدخول . إذا فقدت واحدة منها فلا إحصان . وعند الشافعي الإسلام ليس بشرط ، لما روي 730 أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رجَم يهودِيّين زَنياً . وحجة أبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم 731 " مَنْ أَشرَكَ باللَّهِ فليسَ بمحصنٍ " فإن قلت اللفظ يقتضي تعليق الحكم بجميع الزناة والزواني ، لأن قوله { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى } عام في الجميع ، يتناول المحصن وغير المحصن . قلت الزانية والزاني يدلاّن على الجنسين المنافيين لجنسي العفيف والعفيفة دلالة مطلقة والجنسية قائمة في الكلّ والبعض جميعاً ، فأيهما قصد المتكلم فلا عليه ، كما يفعل بالاسم المشتركولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله . وقرىء « ولا يأخذكم » بالياء . ورأفة ، بفتح الهمزة . ورآفة على فعالة . والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ويستعملوا الجدّ والمتانة فيه ، ولا يأخذهم اللين والهوادة في استيفاء حدوده . وكفى برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة في ذلك حيث قال 732 " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " وقوله { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه وقيل لا تترحموا عليهما حتى لا تعطلوا الحدود أو حتى لا توجعوهما ضرباً . وفي الحديث 733 " يُؤتى بوالٍ نقصَ مِنَ الحدّ سوطاً ، فيقولُ رحمةٌ لعبادِك ، فيقالُ لَهُ أأنتَ أرحمُ بهم مِنِّي ، فيؤمرُ به إلى النار . ويؤتى بمن زاد سوطاً فيقولُ لينتهوا عَنْ معاصِيك فيؤمرُ به إلى النار " ، وعن أبي هريرة 734 " إقامة حدّ بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة " وعلى الإمام أن ينصب للحدود رجلاً عالماً بصيراً يعقل كيف يضرب . والرجل يجلد قائماً على مجرّده ليس عليه إلاّ إزاره ضرباً وسطاً لا مبرحاً ولا هيناً ، مفرّقاً على الأعضاء كلها لا يستثنى منها إلاّ ثلاثاً الوجه والرأس ، والفرج ، وفي لفظ الجلد إشارة إلى أنه ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم . والمرأة تجلد قاعدة ، ولا ينزع من ثيابها إلاّ الحشو والفرو ، وبهذه الآية استشهد أبو حنيفة على أن الجلد حدّ غير المحصن بلا تغريب . وما احتج به الشافعي على وجوب التغريب من قوله صلى الله عليه وسلم 735 " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " وما يروى عن الصحابة أنهم جلدوا ونفوا منسوخ عنده وعند أصحابه بالآية ، أو محمول على وجه التعزيز ، والتأديب من غير وجوب . وقول الشافعي في تغريب الحرّ واحد ، وله في العبد ثلاثة أقاويل يغرب سنة كالحرّ ، ويغرب نصف سنة كما يجلد خمسين جلدة ، ولا يغرب كما قال أبو حنيفة . وبهذه الآية نسخ الحبس والأذى في قوله تعالى { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ } النساء 15 ، وقوله تعالى { فَـآذوهما } . قيل تسميته عذاباً دليل على أنه عقوبة . ويجوز أن يسمى عذاباً ، لأنه يمنع من المعاودة كما سمي نكالاً . الطائفة الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة ، وأقلها ثلاثة أو أربعة وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول الشيء . وعن ابن عباس في تفسيرها أربعة إلى أربعين رجلاً من المصدقين بالله . وعن الحسن عشرة . وعن قتادة ثلاثة فصاعداً . وعن عكرمة رجلان فصاعداً . وعن مجاهد الواحد فما فوقه . وفضل قول ابن عباس ، لأنّ الأربعة هي الجماعة التي يثبت بها هذا الحدّ والصحيح أن هذه الكبيرة من أمّهات الكبائر ، ولهذا قرنها الله بالشرك وقتل النفس في قوله { وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } الفرقان 68 ، وقال { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } الإسراء 32 وعن النبي صلى الله عليه وسلم 736 " يا معشرَ الناسِ اتقُوا الزنَى فإنَّ فيهِ ستُّ خصالٍ ثلاثٌ في الدُّنيا ، وثلاثٌ في الآخرة . فأمّا اللاَّتي في الدُنيا فيَذهبُ البهاء ويورثُ الفقرَ ، وينقصُ العمرَ ، وأما اللاتي في الآخرة فيُوجبُ السخطةَ ، وسوءَ الحسابِ ، والخلودَ في النار " ولذلك وفّى الله فيه عقد المائة بكماله ، بخلاف حدّ القذف وشرب الخمر . وشرع فيه القتلة الهولة وهي الرجم ، ونهى المؤمنين عن الرأفة على المجلود فيه . وأمر بشهادة الطائفة للتشهير ، فوجب أن تكون طائفة يحصل بها التشهير ، والواحد والاثنان ليسوا بتلك المثابة ، واختصاصه المؤمنين لأن ذلك أفضح ، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل . ويشهد له قول ابن عباس رضي الله عنهما إلى أربعين رجلاً من المصدقين بالله .