Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 31-31)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النساء مأمورات أيضاً بغضّ الأبصار ، ولا يحلّ للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبته ، وإن اشتهت غضّت بصرها رأساً ، ولا تنظر من المرأة إلاّ إلى مثل ذلك . وغضها بصرها من الأجانب أصلاً أولى بها وأحسن . ومنه حديث ابن أم مكتوم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت 747 كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة ، فأقبل ابن أم مكتوم - وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب - فدخل علينا فقال احتجبا ، فقلنا يا رسول الله ، أليس أعمى لا يبصر ؟ قال " أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ " فإن قلت لم قدّم غضّ الأبصار على حفظ الفروج ؟ قلت لأنّ النظر بريد الزنى ورائد الفجور ، والبلوى فيه أشدّ وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه ، الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب ، فلا بأس بإبدائه للأجانب ، وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط ، فلا تبديه إلاّ لهؤلاء المذكورين . وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصوّن والتستر ، لأنّ هذا الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء ، وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن ، فنهى عن إبداء الزين نفسها . ليعلم أنّ النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع - بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله - كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكناً في الحظر ، ثابت القدم في الحرمة ، شاهداً على أن النساء حقهنّ أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها . فإن قلت ما تقول في القراميل ، هل يحلّ نظر هؤلاء إليها ؟ قلت نعم . فإن قلت أليس موقعها الظهر ولا يحل لهم النظر إلى ظهرها وبطنها ، وربما ورد الشعر فوقعت القراميل على ما يحاذي ما تحت السرة ؟ قلت الأمر كما قلت ، ولكن أمر القراميل خلاف أمر سائر الحلي ، لأنه لا يقع إلاّ فوق اللباس ، ويجوز النظر إلى الثوب الواقع على الظهر والبطن للأجانب فضلاً عن هؤلاء . إلاّ إذا كان يصف لرقته فلا يحل النظر إليه ، فلا يحلّ النظر إلى القراميل واقعة عليه . فإن قلت ما المراد بموقع الزينة ؟ ذلك العضو كله ، أم المقدار الذي تلابسه الزينة منه ؟ قلت الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية ، وكذلك مواقع الزينة الظاهرة الوجه موقع الكحل في عينيه ، والخضاب بالوسمة في حاجبيه وشاربيه ، والغمرة في خديه ، والكف والقدم موقعا الخاتم والفتخة والخضاب بالحناء . فإن قلت لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة ؟ قلت لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بدّاً من مزاولة الأشياء بيديها ، ومن الحاجة إلى كشف وجهها ، خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها ، وخاصة الفقيرات منهنّ ، وهذا معنى قوله { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } يعني إلاّ ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور ، وإنما سومح في الزينة الخفية ، أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ، ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ، ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب ، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك . كانت جيوبهنّ واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها ، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة ، فأمرن بأن يسدلنها من قدامهنّ حتى يغطينها ، ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور تسمية بما يليها ويلابسها . ومنه قولهم ناصح الجيب وقولك ضربت بخمارها على جيبها ، كقولك ضربت بيدي على الحائط ، إذا وضعتها عليه ، وعن عائشة رضي الله عنها ما رأيت نساءاً خيراً من نساء الأنصار ، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها المرحل فصدعت منه صدعة ، فاختمرن ، فأصبحن كأن على رؤوسهنّ الغربان . وقرىء « جيوبهن » بكسر الجيم لأجل الياء ، وكذلك { بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } قيل في نسائهنّ هنّ المؤمنات ، لأنه ليس للمؤمنة أن تتجرّد بين يدي مشركة أو كتابية . عن ابن عباس رضي الله عنهما . والظاهر أنه عنى بنسائهن وما ملكت أيمانهن من في صحبتهن وخدمتهنّ من الحرائر والإماء والنساء ، كلهنّ سواء في حلّ نظر بعضهن إلى بعض . وقيل ما ملكت أيمانهنّ هم الذكور والإناث جميعاً . وعن عائشة رضي الله عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها ، وقالت لذكوان إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حرّ . وعن سعيد بن المسيب مثله ، ثم رجع وقال لا تغرنّكم آية النور ، فإن المراد بها الإماء . وهذا هو الصحيح ، لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها ، خصياً كان أو فحلاً . وعن ميسون بنت بحدل الكَلبية أن معاوية دخل عليها ومعه خصيّ ، فتقنعت منه ، فقال هو خصيّ فقالت يا معاوية ، أترى أن المثلة به تحلل ما حرّم الله ؟ وعند أبي حنيفة لا يحلّ استخدام الخصيان وإمساكهم وبيعهم وشراؤهم ، ولم ينقل عن أحد من السلف إمساكهم . فإن قلت روي 748 أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خصيّ فقبله ، قلت لا يقبل فيما تعمّ به البلوى إلاّ حديث مكشوف ، فإن صحّ فلعله قبله ليعتقه ، أو لسبب من الأسباب . { ٱلإِرْبَةِ } الحاجة قيل هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ، ولا حاجة لهم في النساء ، لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمرهنّ . أو شيوخ صلحاء إذا كانوا معهنّ غضّوا أبصارهم ، أو بهم عنانة . وقرىء { غَيْرُ } بالنصب على الاستثناء أو الحال ، والجرّ على الوصفية . وضع الواحد موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ، ويبين ما بعده أن المراد به الجمع . ونحوه { نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } الحج 5 { لَمْ يَظْهَرُواْ } إما من ظهر على الشيء إذا اطلع عليه ، أي لا يعرفون ما العورة ولا يميزون بينها وبين غيرها ، وإما من ظهر على فلان إذا قوي عليه ، وظهر على القرآن أخذه وأطاقه ، أي لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء . وقرىء « عورات » وهي لغة هذيل . فإن قلت لم لم يذكر الله الأعمام والأخوال ؟ قلت سئل الشعبي عن ذلك ؟ فقال لئلا يصفها العم عند ابنه ، والخال كذلك . ومعناه أن سائر القرابات يشترك الأب والابن في المحرمية إلا العمّ والخال وأبناءهما . فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم ، فيداني تصوّره لها بالوصف نظره إليها وهذا أيضاً من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر . كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها ، فيعلم أنها ذات خلخال . وقيل كانت تضرب بإحدى رجليها الأخرى ، ليعلم أنها ذات خلخالين . وإذا نهين عن إظهار صوت الحلي بعد ما نهين عن إظهار الحلي ، علم بذلك أن النهي عن إظهار مواضع الحلي أبلغ وأبلغ . وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون أوامر الله ونواهيه في كل باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها . وإن ضبط نفسه واجتهد ، ولا يخلو من تقصير يقع منه ، فلذلك وصّى المؤمنين جميعاً بالتوبة والاستغفار ، وبتأميل الفلاح ، إذا تابوا واستغفروا . وعن ابن عباس رضي الله عنهما توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة فإن قلت قد صحت التوبة بالإسلام ، والإسلام يجبّ ما قبله ، فما معنى هذه التوبة ؟ قلت أراد بها ما يقوله العلماء إن من أذنب ذنباً ثم تاب عنه ، يلزمه كلما تذكره أن يجدد عنه التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه إلى أن يلقى ربه . وقرىء « أيه المؤمنون » ، بضم الهاء ، ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف ، فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها .