Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-61)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم فيطعمونهم منها ، فخالج قلوب المطعمين والمطعمين ريبة في ذلك ، وخافوا أن يلحقهم فيه حرج وكرهوا أن يكون أكلاً بغير حق لقوله تعالى { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ } البقرة 188 فقيل لهم ليس على الضعفاء ولا على أنفسكم يعني عليكم وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين حرج في ذلك . وعن عكرمة كانت الأنصار في أنفسها قزازة . فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا ، وقيل كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومؤاكلتهم لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم ، ولأنّ الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله وهو لا يشعر ، والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه ، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذي أو جرح يبض أو أنف يذن ونحو ذلك . وقيل كانوا يخرجون إلى الغزو ويخلفون الضعفاء في بيوتهم ، ويدفعون إليهم المفاتيح ، ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرّجون . حكى عن الحرث بن عمرو أنه خرج غازياً وخلف مالك بن زيد في بيته وماله ، فلما رجع رآه مجهوداً فقال ما أصابك ؟ قال لم يكن عندي شيء ، ولم يحلّ لي أن آكل من مالك ، فقيل ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه ، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت ، وهذا كلام صحيح ، وكذلك إذا فسر بأن هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو ، ولا عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة ، لالتقاء الطائفتين في أن كل واحدة منهما منفي عنها الحرج . ومثال هذا أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان . وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر ، فقلت ليس على المسافر حرج أن يفطر ، ولا عليك يا حاج أن تقدّم الحلق على النحر ، فإن قلت هلا ذكر الأولاد قلت دخل ذكرهم تحت قوله { مِن بُيُوتِكُمْ } لأن ولد الرجل بعضه ، وحكمه حكم نفسه . وفي الحديث 768 " إنّ أطيبَ ما يأكلُ المرء مِنْ كَسبهِ " ومعنى { مِن بُيُوتِكُمْ } من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم ولأنّ الولدَ أقرب ممن عدّد من القرابات ، فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة كان الذي هو أقرب منهم أولى . فإن قلت ما معنى { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ } ؟ قلت أموال الرجل إذا كان له عليها قيم ووكيل يحفظها له أن يأكل من ثمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته . وملك المفاتح كونها في يده وحفظه . وقيل بيوت المماليك لأن مال العبد لمولاه . وقرىء « مفتاحه » ، فإن قلت فما معنى { أَوْ صَدِيقِكُمْ } ؟ قلت معناه أو بيوت أصدقائكم . والصديق يكون واحداً وجمعاً ، وكذلك الخليط والقطين والعدوّ ، يحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالاً من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون ، فتهللت أسارير وجهه سروراً وضحك وقال هكذا وجدناهم ، هكذا وجدناهم . يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين رضي الله عنهم . وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ منه ما شاء ، فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سروراً بذلك . وعن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما من عظم حرمة الصديق أن جعله الله من الأنس والثقة والإنبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما الصديق أكبر من الوالدين ، إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمّهات ، فقالوا فما لنا من شافعين ولا صديق حميم . وقالوا إذا دلّ ظاهر الحال على رضا المالك ، قام ذلك مقام الإذن الصريح ، وربما سمج الاستئذان وثقل ، كمن قدّم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه { جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } أي مجتمعين أو متفرّقين . نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظراً نهاره إلى الليل ، فإن لم يجد من يواكله أكل ضرورة . وقيل في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلاّ مع ضيفهم وقيل تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لا ختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً } من هذه البيوت لتأكلوا فبدّئوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة { تَحِيَّةً مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي ثابتة بأمره ، مشروعة من لدنه . أو لأنّ التسليم والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند اللهمباركة طيبة ووصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق . وعن أنس رضي الله عنه قال 769 خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين - وروي تسع سنين - فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ؟ ولا قال لي لشيء كسرته لم كسرته ؟ وكنت واقفاً على رأسه أصب الماء على يديه فرفع رأسه فقال " ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها " ؟ قلت بلى بأبي وأمي يا رسول الله . قال " متى لقيت من أمّتي أحداً فسلم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار والأوّابين " وقالوا إن لم يكن في البيت أحد فليقل السلام علينا من ربنا ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام على أهل البيت ورحمة الله . وعن ابن عباس إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تحية من عند الله ، وانتصب تحية بسلموا ، لأنها في معنى تسليماً ، كقولك قعدت جلوساً .