Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 74-82)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما أجابوه بجواب المقلدين لآبائهم قال لهم رقوا أمر تقليدكم هذا إلى أقصى غاياته وهي عبادة الأقدمين الأوّلين من آبائكم ، فإن التقدّم والأوّلية لا يكون برهاناً على الصحة ، والباطل لا ينقلب حقاً بالقدم ، وما عبادة من عبد هذه الأصنام إلا عبادة أعداء له ، ومعنى العداوة قوله تعالى { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } مريم 82 ولأنّ المغري على عبادتها أعدى أعداء الإنسان وهو الشيطان ، وإنما قال { عَدُوٌّ لِى } تصويراً للمسألة في نفسه ، على معنى أني فكرت في أمرى فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه ، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أوّلاً وبني عليها تدبير أمره ، لينظروا فيقولوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه ، ليكون ادعى لهم إلى القبول ، وأبعث على الاستماع منه . ولو قال فإنه عدوّ لكم لم يكن بتلك المثابة ، ولأنّه دخل في باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمّل فيه ، فربما قاده التأمّل إلى التقبل . ومنه ما يحكى عن الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنّ رجلاً واجهه بشيء فقال لو كنت بحيث أنت ، لاحتجت إلى أدب ، وسمع رجل ناساً يتحدثون في الحجر فقال ما هو ببيتي ولا بيتكم . والعدوّ والصديق يجيئان في معنى الوحدة والجماعة . قال @ وَقَوْمٍ عَلَيَّ ذَوِي مِرَّةٍ أَرَاهُمْ عَدُوًّا وَكَانُوا صَدِيقَا @@ ومنه قوله تعالى { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } الكهف 50 شبها بالمصادر للموازنة ، كالقبول والولوع ، والحنين والصهيل { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } استثناء منقطع ، كأنه قال ولكن رب العالمين { فَهُوَ يَهْدِينِ } يريد أنه حين أتمّ خلقه ونفخ فيه الروح ، عقب ذلك هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى كلّ ما يصلحه ويعنيه ، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذي بالدم في البطن امتصاصاً ، ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة ، وإلى معرفة مكانه ، ومن هداه لكيفية الارتضاع ، إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد ، وإنما قال { مَرِضْتُ } دون « أمرضني » لأنّ كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك . ومن ثم قالت الحكماء لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم ؟ لقالوا التخم . وقرىء « خطاياي » ، والمراد ما يندر منه من بعض الصغائر لأنّ الأنبياء معصومون مختارون على العالمين . وقيل هي قوله { إِنّى سَقِيمٌ } الصافات 89 وقوله { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } الأنبياء 63 وقوله لسارّة هي أختي . وما هي إلا معاريض كلام ، وتخييلات للكفرة ، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار . فإن قلت إذا لم يندر منهم إلا الصغائر وهي تقع مكفرة ، فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا وطمع أن تغفر له ؟ قلت الجواب ما سبق لي أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم ، وهضم لأنفسهم ، ويدل عليه قوله { أَطْمَعُ } ولم يجزم القول بالمغفرة . وفيه تعليم لأممهم ، وليكون لطفاً لهم في اجتناب المعاصي والحذر منها ، وطلب المغفرة مما يفرط منهم . فإن قلت لم علق مغفرة الخطيئة بيوم الدين ، وإنما تغفر في الدنيا ؟ قلت لأنّ أثرها يتبين يومئذٍ وهو الآن خفي لا يعلم .