Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 88-90)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ جَامِدَةً } من جمد في مكانه إذا لم يبرح . تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب ، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفه ثابتة في مكان واحد { وَهِىَ تَمُرُّ } مرّاً حثيثاً كما يمر السحاب . وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحرّكت لا تكاد تتبين حركتها ، كما قال النابغة في وصف جيش @ بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أَنَّهُمْ وُقُوفٌ لِحَاجٍ وَالرِّكَابُ تَهَمْلَجُ @@ { صُنْعَ ٱللَّهِ } من المصادر المؤكدة ، كقوله { وَعَدَ ٱللَّهُ } النساء 95 . و { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } البقرة 138 إلا أن مؤكده محذوف ، وهو الناصب ليوم ينفخ ، والمعنى ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ، ثم قال صنع الله ، يريد به الإثابة والمعاقبة . وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب ، حيث قال صنع الله { ٱلَّذِىۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ } يعني أن مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها ، وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه ، فيكافئهم على حسب ذلك . ثم لخص ذلك بقوله { مَن جآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } إلى آخر الآيتين ، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام ، وحسن نظمه وترتيبه ، ومكانة إضماده ، ورصانة تفسيره وأخذ بعضه بحجزة بعض ، كأنما أفرغ إفراغاً واحداً ولأمر مّا أعجز القوي وأخرس الشقاشق . ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام ، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده ، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان . ألا ترى إلى قوله { صُنْعَ ٱللَّهِ } ، و { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } البقرة 138 ، و { وَعَدَ ٱللَّهُ } النساء 95 و { فِطْرَةَ ٱللَّهِ } الروم 30 بعدما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم ، كيف تلاها بقوله { ٱلَّذِىۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ } ، { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } البقرة 138 { لا يخلف الله الميعاد } الزمر20 { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } الروم 30 وقرىء « تفعلون » ، على الخطاب . { فَلَهُ خَيْرٌ مِّـنْهَا } يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم ، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد . وقيل فله خير منها ، أي له خير حاصل من جهتها وهو الجنة ، وعن ابن عباس الحسنة كلمة الشهادة . وقرىء { يَوْمَئِذٍ } مفتوحاً مع الإضافة لأنه أضيف إلى غير متمكن . ومنصوباً مع تنوين فزع . فإن قلت ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت الفزع الأوّل هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ ، من رعب وهيبة ، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية . وأمّا الثاني فالخوف من العذاب . فإن قلت فمن قرأ { مِّـن فَزَعٍ } بالتنوين ما معناه ؟ قلت يحتمل معنيين . من فزع واحد وهو خوف العقاب ، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم ، فلا يخلون منه لأن البشرية تقتضي ذلك . وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه . ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف وهو خوف النار . أمن يعدي بالجار وبنفسه ، كقوله تعالى { أفأمنوا مَكْرَ ٱللَّهِ } الأعراف 99 . وقيل السيئة الإشراك . يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة ، فكأنه قيل فكبوا في النار ، كقوله تعالى { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } الشعراء 94 ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين { هَلْ تُجْزَوْنَ } يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول .