Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 23-28)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَاءَ مَدْيَنَ } ماءهم الذي يستقون منه ، وكان بئراً فيما روي . ووروده مجيئه والوصول إليه { وَجَدَ عَلَيْهِ } وجد فوق شفيره ومستقاه { أُمَّةً } جماعة كثيفة العدد { مِنَ ٱلنَّاسِ } من أناس مختلفين { مِن دُونِهِمُ } في مكان أسفل من مكانهم . والذود الطرد والدفع وإنما كانتا تذودان لأنّ على الماء من هو أقوى منهما فلا يتمكنان من السقي . وقيل كانتا تكرهان المزاحمة على الماء . وقيل لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم ، وقيل تذودان عن وجوههما نظر الناظر لتسترهما { مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما . وحقيقته ما مخطوبكما ، أي مطلوبكما من الذياد ، فسمى المخطوب خطباً ، كما سمى المشئون شأناً في قولك ما شأنك ؟ يقال شأنت شأنه ، أي قصدت قصده . وقرىء « لا نسقي » و « يصدر » . و « الرعاء » بضم النون والياء والراء . والرعاء اسم جمع كالرخال والثناء . وأما الرعاء بالكسر فقياس ، كصيام وقيام { كَبِيرٌ } كبير السن { فَسَقَىٰ لَهُمَا } فسقى غنمهما لأجلهما . وروي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يقله إلا سبعة رجال . وقيل عشرة . وقيل أربعون . وقيل مائة ، فأقله وحده . وروي أنه سألهم دلواً من ماء فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها ، وكانت لا ينزعها إلا أربعون ، فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة ، وروّىٰغنمهما وأصدرهما وروي أنه دفعهم عن الماء حتى سقى لهما . وقيل كانت بئراً أخرى عليها الصخرة . وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف . والمعنى أنه وصل إلى ذلك الماء وقد ازدحمت عليه أمّة من أناس مختلفة متكاثفة العدد ، ورأى الضعيفتين من ورائهم مع غنيمتهما مترقبتين لفراغهم ، فما أخطأت همته في دين الله تلك الفرصة ، مع ما كان به من النصب وسقوط خف القدم والجوع ، ولكنه رحمهما فأغاثهما ، وكفاهما أمر السقي في مثل تلك الزحمة بقوّة قلبه وقوّة ساعده ، وما آتاه الله من الفضل في متانة الفطرة ورصانة الجبلة وفيه مع إرادة اقتصاص أمره وما أوتي من البطش والقوّة وما لم يغفل عنه ، على ما كان به من انتهاز فرصة الاحتساب ، ترغيب في الخير ، وانتهاز فرصه ، وبعث على الاقتداء في ذلك بالصالحين والأخذ بسيرهم ومذاهبهم . فإن قلت لم ترك المفعول غير مذكور في قوله { يَسْقُوْنَ } و { تَذُودَانِ } و { نَسْقِى } ؟ قلت لأن الغرض هو الفعل لا المفعول . ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي . ولم يرحمها لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلاً ، وكذلك قولهما { لاَ نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَاء } المقصود فيه السقي لا المسقي . فإن قلت كيف طابق جوابهما سؤاله قلت سألهما عن سبب الذود فقالتا السبب في ذلك أنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم ، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا ، وما لنا رجل يقوم بذلك ، وأبونا شيخ قد أضعفه الكبر فلا يصلح للقيام به أبلتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما . فإن قلت كيف ساغ لنبيّ الله الذي هو شعيب عليه السلام أن يرضى لابنتيه بسقي الماشية ؟ قلت الأمر في نفسه ليس بمحظور ، فالدين لا يأباه . وأما المروءة ، فالناس مختلفون في ذلك ، والعادات متباينة فيه ، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر ، خصوصاً إذاكانت الحالة حالة ضرورة { إِنّى } لأي شيء { أَنزَلْتَ إِلَىَّ } قليل أو كثير ، غث أو سمين لــ { فَقِيرٌ } وإنما عُدي فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب . قيل ذكر ذلك وإن خضرة البقل يتراءى في بطنه من الهزال ، ما سأل الله إلا أكلة . ويحتمل أن يريد إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين . لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة قال ذلك رضا بالبدل السني ، وفرحا به ، وشكراً له ، وكان الظل ظل سمرة { عَلَى ٱسْتِحْيَاءٍ } في موضع الحال ، أي مستحيية متخفرة وقيل . قد استترت بكم درعها . روي أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما ؟ قالتا وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا ، فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي ، فتبعها موسى فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته ، فقال لها امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، فلما قص عليه قصته قال له . لا تخف فلا سلطان لفرعون بأرضنا . فإن قلت كيف ساغ لموسى أن يعمل بقول امرأة ، وأن يمشي معها وهي أجنبيه ؟ قلت أما العمل بقول امرأة فكما يعمل بقول الواحد حرّاً كان أو عبداً ذكراً كان أو أنثى في الأخبار ، وما كانت إلا مخبرة عن أبيها بأنه يدعوه ليجزيه . وأما مماشاته امرأة أجنبية فلا بأس بها في نظائر تلك الحال ، مع ذلك الاحتياط والتورّع . فإن قلت كيف صح له أخذ الأجر على البرّ والمعروف ؟ قلت يجوز أن يكون قد فعل ذلك لوجه الله وعلى سبيل البر والمعروف . وقيل إطعام شعيب وإحسانه لا على سبيل أخذ الأجر ، ولكن على سبيل التقبل لمعروف مبتدإ . كيف وقد قص عليه قصصه وعرفه أنه من بيت النبوّة من أولاد يعقوب ؟ ومثله حقيق بأن يضيَّف ويكرم خصوصاً في دار نبيّ من أنبياء الله ، وليس بمنكر أن يفعل ذلك لاضطرار الفقر والفاقة طلباً للأجر . وقد روي ما يعضد كلا القولين روي أنها لما قالت ليجزيك ، كره ذلك ، ولما قدّم إليه الطعام امتنع وقال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهباً ، ولا نأخذ على المعروف ثمناً ، حتى قال شعيب هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا . وعن عطاء ابن السائب رفع صوته بدعائه ليسمعهما ، فلذلك قيل له ليجزيك أجر ما سقيت ، أي جزاء سقيك . والقصص مصدر كالعلل ، سمي به المقصوص . كبراهما كانت تسمى صفراء ، والصغرى صفيراء . وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره ، وهي التي تزوجها . وعن ابن عباس أن شعيبا أحفظته الغيرة فقال وما علمك بقوّته وأمانته ؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو ، وأنه صوّب رأسه حين بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه . وقولها { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلامِينُ } كلام حكيم جامع لا يزاد عليه ، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان أعني الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل ، والحكمة أن تقول استأجره لقوّته وأمانته . فإن قلت كيف جعل خير من استأجرت اسماً لإنّ والقوي الأمين خبراً ؟ قلت هو مثل قوله @ أَلاَ إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حَيًّا وَهَالِكَا أَسِيرُ ثَقِيفٍ عِنْدَهُمْ فِي السَّلاَسِلِ @@ في أن العناية هي سبب التقديم ، وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق بأن يكون خبراً اسماً ، وورود الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف . ومنه قولهم أهون ما أعملت لسان ممخ . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أفرس الناس ثلاثة بنت شعيب ، وصاحب يوسف ، في قوله { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } يوسف 21 وأبو بكر في عمر . روي أنه أنكحه صفراء . وقوله { هَاتَيْنِ } فيه دليل على أنه كانت له غيرهما { تَأْجُرَنِى } من أجرته إذا كنت له أجيراً ، كقولك أبوته إذا كنت له أبا ، و { ثَمَانِىَ حِجَجٍ } ظرفه . أو من أجرته كذا ، إذا أثبته إياه . ومنه تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم 812 " أجرَكم اللَّهُ ورحمكم " وثماني حجج مفعول به ، ومعناه رعية ثماني حجج فإن قلت كيف صح أن ينكحه إحدى ابنتيه من غير تمييز ؟ قلت لم يكن ذلك عقداً للنكاح ، ولكن مواعدة ومواصفة أمر قد عزم عليه ، ولو كان عقداً لقال قد أنكحتك ولم يقل إني أريد أن أنكحك . فإن قلت فكيف صح أن يمهرها إجارة نفسه في رعية الغنم ، ولا بد من تسليم ما هو مال ؟ ألا ترى إلى أبي حنيفة كيف منع أن يتزوج امرأة بأن يخدمها سنة وجوّز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة ، أو يسكنها داره سنة ، لأنه في الأول مسلم نفسه وليس بمال ، وفي الثاني هو مسلم مالاً وهو العبد أو الدار ، قلت الأمر على مذهب أبي حنيفة على ما ذكرت . وأما الشافعي فقد جوّز التزوّج على الإجارة لبعض الأعمال والخدمة ، إذا كان المستأجر له أو المخدوم فيه أمراً معلوماً ، ولعلّ ذلك كان جائزاً في تلك الشريعة . ويجوز أن يكون المهر شيئاً آخر ، وإنما أراد أن يكون راعي غنمه هذه المدّة ، وأراد أن ينكحه ابنته ، فذكر له المرادين ، وعلق الإنكاح بالرعية على معنى إني أفعل هذا إذا فعلت ذاك على وجه المعاهدة لا على وجه المعاقدة . ويجوز أن يستأجره لرعية ثماني سنين بمبلغ معلوم ويوفيه إياه ، ثم ينكحه ابنته به ، ويجعل قوله { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ } عبارة عما جرى بينهما { فَإِنْ أَتْمَمْتَ } عمل عشر حجج { فَمِنْ عِندِكَ } فإتمامه من عندك . ومعناه فهو من عندك لا من عندي ، يعني لا ألزمكه ولا أحتمه عليك ، ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع ، وإلا فلا عليك { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } بإلزام أتمّ الأجلين وإيجابه . فإن قلت ما حقيقة قولهم شققت عليه ، وشق عليه الأمر ؟ قلت حقيقته أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين ، تقول تارة أطيقه ، وتارة لا أطيقه . أو وعده المساهلة والمسامحة من نفسه ، وأنه لا يشق عليه فيما استأجره له من رعي غنمه ، ولا يفعل نحو ما يفعل المعاسرون من المسترعين ، من المناقشة في مراعاة الأوقات ، والمداقة في استيفاء الأعمال ، وتكليف الرعاة أشغالاً خارجة عن حدّ الشرط ، وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام آخذين بالأسمح في معاملات الناس . ومنه الحديث 813 " كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكي ، فكان خير شريك لا يداري ولا يشاري ولا يماري " وقوله { سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـٰلِحِينَ } يدل على ذلك ، يريد بالصلاح حسن المعاملة ووطأة الخلق ولين الجانب . ويجوز أن يريد الصلاح على العموم . ويدخل تحته حسن المعاملة ، والمراد باشتراط مشيئة الله بما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته ، لا أنه يستعمل الصلاح إن شاء الله ، وإن شاء استعمل خلافه { ذٰلِكَ } مبتدأ ، و { بَيْنِى وَبَيْنَكَ } خبره ، وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب ، يريد . ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعاً ، لا نخرج كلانا عنه ، لا أنا عما شرطت عليّ ولا أنت عما شرطت على نفسك . ثم قال أي أجل من الأجلين قضيت أطولهما الذي هو العشر ، أو أقصرهما الذي هو الثمان { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ } أي لا يعتدي عليّ في طلب الزيادة عليه . فإن قلت تصوّر العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو الأقصر وهو المطالبة بتتمة العشر ، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعاً ؟ قلت معناه كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدواناً لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثمان . أراد بذلك تقرير أمر الخيار ، وأنه ثابت مستقرّ ، وأن الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء وأما التتمة فموكولة إلى رأيي إن شئت أتيت بها ، وإلا لم أجبر عليها . وقيل معناه فلا أكون متعدّياً ، وهو في نفي العدوان عن نفسه ، كقولك لا إثم عليّ ، ولا تبعة عليّ . وفي قراءة ابن مسعود أي الأجلين ما قضيت . وقرىء « أيما » بسكون الياء ، كقوله @ تنَظَّرْتُ نَصْراً وَالسِّمَاكَيْنِ أَيْهُمَا عَلَيَّ مِنَ الْغَيْثِ اسْتُهِلَّتْ مَوَاطِرُهْ @@ وعن ابن قطيب عدوان ، بالكسر . فإن قلت ما الفرق بين موقعي ما المزيدة في القراءتين ؟ قلت وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام ، أيّ زائدة في شياعها وفي الشاذة تأكيداً للقضاء ، كأنه قال أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له . الوكيل الذي وكل إليه الأمر ، ولما استعمل في موضع الشاهد والمهيمن والمقيت ، عدي بعلى لذلك . روي أنّ شعيباً كانت عنده عصى الأنبياء فقال لموسى بالليل ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصي . فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ، ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب ، فمسها ـــ وكان مكفوفاً ، فضنّ بها فقال غيرها ، فما وقع في يده إلا هي سبع مرات ، فعلم أنّ له شأناً . وقيل أخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً . وقيل أودعها شعيباً ملك في صورة رجل ، فأمر بنته أن تأتيه بعصا ، فأتته بها فردها سبع مرّات فلم يقع في يدها غيرها ، فدفعها إليه ثم ندم لأنها وديعة ، فتبعه فاختصما فيها ، ورضيا أن يحكم بينهما أوّل طالع ، فأتاهما الملك فقال ألقياها فمن رفعها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ورفعها موسى . وعن الحسن ما كانت إلا عصا من الشجر اعترضها اعتراضاً . وعن الكلبي الشجرة التي منها نودي شجرة العوسج ، ومنها كانت عصاه . ولما أصبح قال له شعيب إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك ، فإنّ الكلأ وإن كان بها أكثر ، إلا أنّ فيها تنيناً أخشاه عليك وعلى الغنم ، فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها ، فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله ، فنام فإذا بالتنين قد أقبل ، فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية ، فلما أبصرها دامية والتنين مقتولاً أرتاح لذلك ، ولما رجع إلى شعيب مسّ الغنم ، فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن ، فأخبره موسى ففرح وعلم أنّ لموسى والعصا شأنا ، وقال له إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كلّ أدرع ودرعاء ، فأوحى إليه في المنام أن أضرب بعصاك مستقى الغنم ، ففعل ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء ، فوفى له بشرطه .