Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحسبان لا يصح تعليقه بمعاني المفردات ، ولكن بمضامين الجمل . ألا ترى أنك لو قلت حسبت زيداً وظننت الفرس لم يكن شيئاً حتى تقول حسبت زيداً عالماً وظننت الفرس جواداً ، لأنّ قولك زيد عالم ، أو الفرس جواد كلام دال على مضمون ، فأردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتاً عندك على وجه الظن لا اليقين ، فلم تجد بدّا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه ، من ذكر شطري الجملة مدخلاً عليهما فعل الحسبان ، حتى يتم لك غرضك . فإن قلت فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية ؟ قلت هو في قوله { أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } وذلك أن تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين ، لقولهم آمنا ، فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا ، هو الخبر . وأما « غير مفتونين » فتتمة الترك ، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير ، كقوله @ فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ @@ ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان ، تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين ، لقولهم آمنا ، على تقدير حاصل ومستقر ، قبل اللام . فإن قلت { أَن يَقُولُواْ } هو علة تركهم غير مفتونين ، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ ؟ قلت كما تقول خروجه لمخافة الشر ، وضربه للتأديب ، وقد كان التأديب والمخافة في قولك خرجت مخافة الشر ، وضربته تأديباً تعليلين . وتقول أيضاً حسبت خروجه لمخافة الشر ، وظننت ضربه للتأديب ، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبراً . والفتنة الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ، ومجاهدة الأعداء ، وسائر الطاعات الشاقة ، وهجر الشهوات والملاذ ، وبالفقر والقحط ، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ، وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم . والمعنى أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم وأظهروا القول بالإيمان أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين ، بل يمحنهم الله بضروب المحن ، حتى يبلو صبرهم ، وثبات أقدامهم ، وصحة عقائدهم ، ونصوع نياتهم ، ليتميز المخلص من غير المخلص ، والراسخ في الدين من المضطرب ، والمتمكن من العابد على حرف ، كما قال { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } آل عمران 186 وروي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جزعوا من أذى المشركين . وقيل في عمار بن ياسر وكان يعذب في الله . وقيل في ناس أسلموا بمكة ، فكتب إليهم المهاجرون لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا ، فخرجوا فتبعهم المشركون فردّوهم ، فلما نزلت كتبوا بها إليهم فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا . وقيل في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو أوّل قتيل من المسلمين يوم بدر ، رماه عامر بن الحضرمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 821 " سيد الشهداء مهجع ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة " فجزع عليه أبواه وامرأته { وَلَقَدْ فَتَنَّا } موصول بأحسب أو بلا يفتنون ، كقولك ألا يمتحن فلان وقد امتحن من هو خير منه ، يعني أن أتباع الأنبياء عليهم السلام قبلهم ، قد أصابهم من الفتن والمحن نحو ما أصابهم . أو ما هو أشدّ منه فصبروا ، كما قال { وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ … } الآية آل عمران 146 وعن النبي صلى الله عليه وسلم 822 " قد كان مَن قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ، وما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ، ما يصرفه ذلك عن دينه " { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ } بالامتحان { ٱلَّذِينَ صَدَقُوا } في الإيمان { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ } فيه . فإن قلت كيف وهو عالم بذلك فيما لم يزل ؟ قلت لم يزل يعلمه معدوماً ، ولا يعلمه موجوداً إلا إذا وجد ، والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب . ويجوز أن يكون وعداً ووعيداً ، كأنه قال وليثيبن الذي صدقوا وليعاقبنّ الكاذبين . وقرأ علي رضي الله عنه والزهري وليعلمنّ ، من الإعلام ، أي وليعرفنهم الله الناس من هم . أو ليسمنهم بعلامة يعرفون بها من بياض الوجوه وسوادها ، وكحل العيون وزرقتها .