Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-137)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في مصاحف أهل المدينة والشام سارعوا بغير واو . وقرأ الباقون بالواو . وتنصره قراءة أبيّ وعبد الله وسابقوا ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة الإقبال على ما يستحقان به { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ } الحديد 1أي عرضها عرض السموات والأرض ، كقوله { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضِ } والمراد وصفها بالسعة والبسطة ، فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه . وخص العرض ، لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة ، كقوله { بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } الرحمن 54 . وعن ابن عباس رضي الله عنه كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض { فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } في حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر ، لا يخلون بأن ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل ، كما حكي عن بعض السلف أنه ربما تصدّق ببصلة ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها تصدّقت بحبة عنب أو في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرّة ، لا تمنعهم حال فرح وسرور ، ولا حال محنة وبلاء ، من المعروف ، وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو في حبس ، فإنه لا يدع الإحسان . وافتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الإخلاص ، ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين . كظم القربة إذا ملأها وشد فاها . وكظم البعير إذا لم يجتر . ومنه كظم الغيظ ، وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثراً ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم 207 " من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيماناً " ، وعن عائشة رضي الله عنها أن خادماً لها غاظها فقالت لله درّ التقوى ، ما تركت لذي غيظ شفاء . { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه وروي 208 " ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا " وعن ابن عيينة أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 209 " إن هؤلاء في أمّتي قليل إلا من عصم الله ، وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت " { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون . وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء { وَٱلَّذِينَ } عطف على المتقين . أي أعدت للمتقين وللتائبين . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الفريقين . ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره أولئك { فَـٰحِشَةً } فعلة متزايدة القبح { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } أو أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به . وقيل الفاحشة والزنا . وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوهما . وقيل الفاحشة الكبيرة . وظلم النفس الصغيرة { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } تذكروا عقابه أو وعيده أو نهيه ، أو حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة وإنّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له ، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه ، وأنّ عدله يوجب المغفرة للتائب ، لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز وفيه تطييب لنفوس العباد ، وتنشيط للتوبة ، وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم . والمعنى أنه وحده معه مصححات المغفرة وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه { وَلَمْ يُصِرُّواْ } ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 210 " ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرّة " وروي 211 « لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار » { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } حال من فعل الإصرار وحرف النفي منصب عليهما معاً . والمعنى وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها وبالوعيد عليها ، لأنه قد يعذر من لا يعلم قبح القبيح . وفي هذه الآيات بيان قاطع أنّ الذين آمنوا على ثلاث طبقات متقون وتائبون ومصروُّن . وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم ، دون المصرّين . ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه . قال { أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } بعد قوله { جَزَآؤُهُمْ } آل عمران 87 لأنهما في معنى واحد . وإنما خالف بين اللفظين لزيادة التنبيه على أنّ ذلك جزاء واجب على عمل ، وأجر مستحق عليه ، لا كما يقول المبطلون . وروي أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى موسى ما أقلّ حياء من يطمع في جنتي بغير عمل ، كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي . وعن شهر بن حوشب طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب ، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور ، وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة . وعن الحسن رضي الله عنه يقول الله تعالى يوم القيامة « جوزوا الصراط بعفوي ، وادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم » وعن رابعة البصرية رضي الله عنها أنها كانت تنشد @ تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إنّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ @@ والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ونعم أجر العاملين ذلك . يعني المغفرة والجنات { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } يريد ما سنه الله في الأمم المكذبين من وقائعه ، كقوله { وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْل } الأحزاب 61 { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } الفتح 22 ، { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } الفتح 23 .