Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-154)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وعدهم الله النصر بشرط الصبر والتقوى في قوله تعالى { إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ } آل عمران 125 ويجوز أن يكون الوعد قوله تعالى { سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } فلما فشلوا وتنازعوا لم يرعبهم . وقيل لما رجعوا إلى المدينة قال ناس من المؤمنين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فنزلت . وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحداً خلف ظهره ، واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل ، وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا ـــ كانت الدولة للمسلمين أو عليهم ـــ فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم ، والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم . يحسونهم أي يقتلونهم قتلا ذريعاً . حتى إذا فشلوا . والفشل الجبن وضعف الرأي . وتنازعوا ، فقال بعضهم قد انهزم المشركون فما موقفنا ههنا وقال بعضهم لا نخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فممن ثبت مكانه عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلاْخِرَةَ } ونفر أعقابهم ينهبون ، وهم الذين أرادوا الدنيا ، فكرّ المشركون على الرماة ، وقتلوا عبد الله بن جبير رضي الله عنه ، وأقبلوا على المسلمين ، وحالت الريح دبوراً وكانت صباً ، حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا ، وهو قوله { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } لماعلم من ندمكم على ما فرط منكم من عصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } يتفضل عليهم بالعفو ، أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم لأنّ الابتلاء رحمة كما أنّ النصرة رحمة . فإن قلت أين متعلق { حَتَّىٰ إِذَا } قلت محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره . ويجوز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم { إِذْ تُصْعِدُونَ } نصب بصرفكم ، أو بقوله { لِيَبْتَلِيَكُمْ } أو بإضمار « اذكر » والإصعاد الذهاب في الأرض والإبعاد فيه . يقال صعد في الجبل وأصعد في الأرض . يقال أصعدنا من مكة إلى المدينة وقرأ الحسن رضي الله عنه « تصعدون » ، يعني في الجبل . وتعضد الأولى قراءة أبي « إذ تصعدون في الوادي » . وقرأ أبو حيوة « تصعدون » ، بفتح التاء وتشديد العين ، من تصعد في السلم وقرأ الحسن رضي الله عنه « تلون » ، بواو واحدة وقد ذكرنا وجهها . وقرىء « يصعدون » . « ويلوون » بالياء { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } كان يقول « إليّ عباد الله » إليّ عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكرّ فله الجنة » { فِى أُخْرَاكُمْ } في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة . يقال جئت في آخر الناس وأخراهم ، كما تقول في أوّلهم وأولاهم ، بتأويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى { فَأَثَـٰبَكُمْ } عطف على صرفكم ، أي فجازاكم الله { غَمّاً } حين صرفكم عنهم وابتلاكم { بـــ } سبب { غَمّ } أذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له ، أو غما مضاعفاً ، غما بعد غم ، وغما متصلاً بغم ، من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر { لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ } لتتمرنوا على تجرع الغموم ، وتضروا باحتمال الشدائد ، فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع ولا على مصيب من المضار ، ويجوز أن يكون الضمير في { فَأَثَـٰبَكُمْ } للرسول ، أي فآساكم في الاغتمام ، وكما غمكم ما نزل به من كسر الرباعية والشجة وغيرهما غمه ما نزل بكم ، فأثابكم غماً اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله ، ولم يثربكم على عصيانكم ومخالفتكم لأمره ، وإنما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر الله ، ولا على ما أصابكم من غلبة العدو . وأنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم . وعن أبي طلحة رضي الله عنه " غشينا النعاس ونحن في مصافنا ، فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ، ثم يسقط فيأخذه ، وما أحد إلا ويميل تحت حجفته " وعن الزبير رضي الله عنه لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف ، فأرسل الله علينا النوم . والله إني لأسمع قول معتِّب بن قشير والنعاس يغشاني لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا . والأمنة الأمن . وقرىء « أمنة » بسكون الميم ، كأنها المرة من الأمن و { نُّعَاساً } بدل من أمنة . ويجوز أن يكون هو المفعول ، وأمنة حالاً منه مقدمة عليه ، كقولك رأيت راكباً رجلاً ، أو مفعولاً له بمعنى نعستم أمنة . ويجوز أن يكون حالاً من المخاطبين ، بمعنى ذوي أمنة ، أو على أنه جمع آمن ، كبار وبررة { يَغْشَىٰ } قرىء بالياء والتاء ردا على النعاس ، أو على الأمنة { طَائِفَةً مّنكُمْ } هم أهل الصدق واليقين { وَطَائِفَةٌ } هم المنافقون { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } ما بهم إلا هم أنفسهم لا هم الدين ولا هم الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، أو قد أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الهموم والأشجان ، فهم في التشاكي والتباثّ { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } في حكم المصدر . ومعناه يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به . و { ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } بدل منه . ويجوز أن يكون المعنى يظنون بالله ظن الجاهلية . وغير الحق تأكيد ليظنون ، كقولك هذا القول غير ما تقول ، وهذا القول لا قولك وظن الجاهلية ، كقولك حاتم الجود ، ورجل صدق يريد الظن المختص بالملة الجاهلية . ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية ، أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله { يَقُولُونَ } لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه { هَل لَّنَا مِنَ ٱلاْمْرِ مِن شَىْءٍ } معناه هل لنا معاشر المسلمين من أمر الله نصيب قط ، يعنون النصر والإظهار على العدو { قُلْ إِنَّ ٱلاْمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } ولأوليائه المؤمنين وهو النصر والغلبة { كَتَبَ ٱللَّهُ لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } المجادلة 21 ، { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } الصافات 173 { يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِم مَالا يُبْدُونَ لَكَ } معناه يقولون لك فيما يظهرون هل لنا من الأمر من شيء سؤال المؤمنين المسترشدين وهم فيما يبطنون على النفاق ، يقولون في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلاْمْرِ شَىْءٌ } أي لو كان الأمر كما قال محمد إن الأمر كله لله ولأوليائه وأنهم الغالبون ، لما غلبنا قط . ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ } يعني من علم الله منه أنه يقتل ويصرع في هذه المصارع وكتب ذلك في اللوح لم يكن بد من وجوده فلو قعدتم في بيوتكم { لَبَرَزَ } من بينكم { ٱلَّذِينَ } علم الله أنهم يقتلون { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } وهي مصارعهم ليكون ما علم الله أنه يكون . والمعنى أن الله كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين ، وكتب مع ذلك أنهم الغالبون ، لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم ، وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله ، وأن ما ينكبون به في بعض الأوقات تمحيص لهم وترغيب في الشهادة ، وحرصهم على الشهادة مما يحرضهم على الجهاد فتحصل الغلبة . وقيل معناه هل لنا من التدبير من شيء ، يعنون لم نملك شيئاً من التدبير حيث خرجنا من المدينة إلى أحد ، وكان علينا أن نقيم ولا نبرح كما كان رأي عبد الله بن أبيّ وغيره ، ولو ملكنا من التدبير شيئاً لما قتلنا في هذه المعركة ، قل إن التدبير كله لله ، يريد أن الله عز وجل قد دبر الأمر كما جرى ، ولو أقمتم بالمدينة ولم تخرجوا من بيوتكم لما نجا من القتل من قتل منكم . وقرىء « كتب عليهم القتال » . « وكتب عليهم القتل » ، على البناء للفاعل . ولبرِّز ، بالتشديد وضم الباء { وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ } وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص ، ويمحص ما في قلوبهم من وساوس الشيطان . فعل ذلك أو فعل ذلك لمصالح جمة وللابتلاء والتمحيص . فإن قلت كيف مواقع الجمل التي بعد قوله وطائفة ؟ قلت { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ } صفة لطائفة و { يَظُنُّونَ } صفة أخرى أو حال بمعنى قد أهمتهم أنفسهم ظانين . أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها . و { يَقُولُونَ } بدل من يظنون . فإن قلت كيف صح أن يقع ما هو مسألة عن الأمر بدلاً من الإخبار بالظن ؟ قلت كانت مسألتهم صادرة عن الظنّ ، فلذلك جاز إبداله منه . ويخفون حال من يقولون . و { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } آل عمران 154 اعتراض بين الحال وذوي الحال . و { يَقُولُونَ } بدل من { يُخْفُونَ } والأجود أن يكون استئنافاً .