Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-19)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره ، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف ، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } مقيماً للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ، ويثيب ويعاقب ، وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم . وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه كقوله { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقًا } البقرة 91 . فإن قلت لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه ؟ ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكباً لم يجز ؟ قلت إنما جاز هذا لعدم الإلباس كما جاز في قوله { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } الأنبياء 72 إن انتصب نافلة حالا عن يعقوب . ولو قلت جاءني زيد وهند راكباً جاز لتميزه بالذكورة ، أو على المدح . فإن قلت أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك الحمد لله الحميد . 162 " إنا معشر الأنبياء لا نورث " إنا بنى نهشل لا ندعي لأب ؟ قلت قد جاء نكرة كما جاء معرفة . وأنشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي @ وَيَأْوِي إلى نِسْوَةٍ عُطْلٍ وَشُعْثا مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالِي @@ فإن قلت هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل لا إلٰه قائماً بالقسط إلا هو ؟ قلت لا يبعد ، فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف . فإن قلت قد جعلته حالا من فاعل شهد ، فهل يصح أن ينتصب حالاً عن « هو » في { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ؟ قلت نعم ، لأنها حال مؤكدة والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها ، كقولك أنا عبد الله شجاعاً . وكذلك لو قلت لا رجل إلا عبد الله شجاعاً . وهو أوجه من انتصابه عن فاعل شهد ، وكذلك انتصابه على المدح . فإن قلت هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة وأولي العلم كما دخلت الوحدانية ؟ قلت نعم إذا جعلته حالاً من هو ، أو نصباً على المدح منه ، أو صفة للمنفي ، كأنه قيل شهد الله والملائكة وأولو العلم أنه لا إلٰه إلا هو ، وأنه قائم بالقسط . وقرأ عبد الله « القائم بالقسط » ، على أنه بدل من هو ، أو خبر مبتدأ محذوف . وقرأ أبو حنيفة « قيما بالقسط » { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان مقرّرتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل ، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إلٰه آخر ، والحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله . فإن قلت ما المراد بأولي العلم الذي عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله ؟ قلت هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وهم علماء العدل والتوحيد . وقرىء « أنه » بالفتح ، و { إِنَّ ٱلدِّينَ } بالكسر على أنّ الفعل واقع على أنه بمعنى شهد الله على أنه ، أو بأنه . وقوله { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } جملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى . فإن قلت ما فائدة هذا التوكيد ؟ قلت فائدة أن قوله { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } توحيد ، وقوله { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } تعديل ، فإذا أردفه قوله { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد ، وهو الدين عند الله ، وما عداه فليس عنده في شيء من الدين . وفيه أن من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدّي إليه كإجازة الرؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور ، لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام ، وهذا بين جلي كما ترى . وقرئا مفتوحين ، على أن الثاني بدل من الأوّل . كأنه قيل شهد الله أن الدين عند الله الإسلام ، والبدل هو المبدل منه في المعنى ، فكان بياناً صريحاً ، لأن دين الله هو التوحيد والعدل . وقرىء الأوّل بالكسر والثاني بالفتح ، على أن الفعل واقع على إنّ وما بينهما اعتراض مؤكد . وهذا أيضاً شاهد على أن دين الإسلام هو العدل والتوحيد ، فترى القراءات كلها متعاضدة على ذلك . وقرأ عبد الله « أن لا إلٰه إلا هو » . وقرأ أبيّ « إن الدين عند الله للإسلام » ، وهي مقوية لقراءة من فتح الأولى وكسر الثانية . وقرىء « شهداء لله » ، بالنصب على أنه حال من المذكورين قبله ، وبالرفع على هم شهداء الله . فإن قلت فعلام عطف على هذه القراءة { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } ؟ قلت على الضمير في شهداء ، وجاز لوقوع الفاصل بينهما . فإن قلت لم كرر قوله { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } قلت ذكره أوّلاً للدلالة على اختصاصه بالوحدانية ، وأنه لا إلٰه إلا تلك الذات المتميزة ، ثم ذكره ثانياً بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل ، للدلالة على اختصاصه بالأمرين ، كأنه قال لا إلٰه إلا هذا الموصوف بالصفتين ، ولذلك قرن به قوله { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } لتضمنهما معنى الوحدانية والعدل { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } أهل الكتاب من اليهود والنصارى . واختلافهم أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل { مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } أنه الحق الذي لا محيد عنه ، فثلثت النصارى ، وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالوا كنا أحق بأن تكون النبوّة فينا من قريش لأنهم أمّيون ونحن أهل الكتاب ، وهذا تجوير { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي ما كان ذلك الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب إلا حسداً بينهم وطلباً منهم للرياسة وحظوظ الدنيا ، واستتباع كل فريق ناساً يطؤن أعقابهم ، لاشبهة في الإسلام . وقيل هو اختلافهم في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث آمن به بعض وكفر به بعض . وقيل هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء ، فمنهم من آمن بموسى ، ومنهم من آمن بعيسى . وقيل هم اليهود ، واختلافهم أن موسى عليه السلام حين احتضر استودع التوراة سبعين حبراً من بني إسرائيل ، وجعلهم أمناء عليها ، واستخلف يوشع ، فلما مضى قرن بعد قرن اختلف أبناء السبعين بعد ما جاءهم علم التوراة بغيا بينهم وتحاسداً على حظوظ الدنيا والرياسة . وقيل هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله .