Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 45-51)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْمَسِيحُ } لقب من اولقاب المشرفة ، كالصدّيق والفاروق ، وأصله مشيحاً بالعبرانية ، ومعناه المبارك ، كقوله { وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ } مريم 31 وكذلك { عِيسَى } معرب من أيشوع . ومشتقهما من المسح والعيس ، كالراقم في الماء . فإن قلت { إِذْ قَالَتِ } بم يتعلق ؟ قلت هو بدل من { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ } ويجوز أن يبدل من { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } على أن الاختصام والبشارة وقعاً في زمان واسع ، كما تقول لقيته سنة كذا . فإن قلت لم قيل عيسى ابن مريم والخطاب لمريم ؟ قلت لأنّ الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات ، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه ، وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين . فإن قلت لم ذكر ضمير الكلمة ؟ قلت لأن المسمى بها مذكر . فإن قلت لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، وهذه ثلاثة أشياء الاسم منها عيسى ، و أما المسيح والابن فلقب وصفة ؟ قلت الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره ، فكأنه قيل الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة { وَجِيهاً } حال من { كلمة } وكذلك قوله ومن المقربين ، ويكلم وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ . أي يبشرك به موصوفاً بهذه الصفات . وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة . والوجاهة في الدنيا النبوّة والتقدم على الناس . وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة . وكونه { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة . والمهد ما يمهد للصبي من مضجعه ، سمي بالمصدر . و { فِى ٱلْمَهْدِ } في محل النصب على الحال ، { وَكَهْلاً } عطف عليه بمعنى ويكلم الناس طفلاً وكهلاً . ومعناه يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء ، من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء . ومن بدع التفاسير أن قولها رب نداء لجبريل عليه السلام بمعنى يا سيدي { ونعلمه } عطف على يبشرك ، أو على وجيها أو على يخلق ، أو هو كلام مبتدأ . وقرأ عاصم ونافع « ويعلمه » ، بالياء . فإن قلت علام تحمل ورسولاً ، ومصدّقاً من المنصوبات المتقدّمة ، وقوله { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ } و { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يأبى حمله عليها ؟ قلت هو من المضائق ، وفيه وجهان أحدهما أن يضمر له « وأرسلت » على إرادة القول تقديره ونعلمه الكتاب والحكمة ، ويقول أرسلت رسولاً بأني قد جئتكم . ومصدقاً لما بين يدي . والثاني أن الرسول والمصدّق فيهما معنى النطق ، فكأنه قيل وناطقاً بأني قد جئتكم ، وناطقاً بأني أصدق ما بين يدي وقرأ اليزيدي ورسول عطفاً على كلمة { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ } أصله أرسلت بأني قد جئتكم ، فحذف الجار وانتصب بالفعل ، و { أَنِى أَخْلُقُ } نصب بدل من { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ } أو جرّ بدل من آية ، أو رفع على هي أني أخلق لكم ، وقرىء « إني » ، بالكسر على الاستئناف ، أي أقدر لكم شيئاً مثل صورة الطير { فَأَنفُخُ فِيهِ } الضمير للكاف ، أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير { فَيَكُونُ طَيْرًا } فيصير طيراً كسائر الطيور حياً طياراً . وقرأ عبد الله « فأنفخها » قال @ كالهَبْرَقِيِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحْمَا @@ وقيل لم يخلق غير الخفاش { ٱلاْكْمَهَ } الذي ولد أعمى ، وقيل هو الممسوح العين . ويقال لم يكن في هذه الأمّة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير . وروي أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفاً من المرضى ، من أطاق منهم أتاه ، ومن لم يطق أتاه عيسى ، وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده . وكرر { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } دفعاً لوهم من توهم فيه اللاهوتية . وروي أنه أحيا سام بن نوح وهم ينظرون ، فقالوا هذا سحر فأرنا آية ، فقال يا فلان أكلت كذا ، ويا فلان خبىء لك كذا . وقرىء « تذخرون » ، بالذال والتخفيف { وَلأُحِلَّ } ردّ على قوله { بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } أي جئتكم بآية من ربكم ، ولأحل لكم ويجوز أن يكون { مُصَدّقاً } مردوداً عليه أيضاً ، أي جئتكم بآية وجئتكم مصدقاً . وما حرم الله عليهم في شريعة موسى الشحوم والثروب ولحوم الإبل ، والسمك ، وكل ذي ظفر ، فأحل لهم عيسى بعض ذلك . قيل أحل لهم من السمك والطير ما لا صيصية له . واختلفوا في إحلاله لهم السبت . وقرىء « حرم عليكم » على تسمية الفاعل ، وهو ما بين يديّ من التوراة ، أو الله عزّ وجلّ ، أو موسى عليه السلام لأن ذكر التوراة دل عليه ، ولأنه كان معلوماً عندهم . وقرىء « حرم » ، بوزن كرم { وجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } لأنّ جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه ، وقرىء بالفتح على البدل من { ءايَةً } . وقوله { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراض ، فإن قلت كيف جعل هذا القول آية من ربه ؟ قلت لأنّ الله تعالى جعله له علامة يعرف بها أنه رسول كسائر الرسل ، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والاستدلال . ويجوز أن يكون تكريراً لقوله { جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم ، من خلق الطير ، والإبراء ، والإحياء ، والإنباء بالخفايا ، وبغيره من ولادتي بغير أب ، ومن كلامي في المهد ، ومن سائر ذلك . وقرأ عبد الله . « وجئتكم بآيات من ربكم » ، فاتقوا الله لما جئتكم به من الآيات ، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه . ثم ابتدأ فقال { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } ومعنى قراءة من فتح ولأنّ الله ربي وربكم فاعبدوه ، كقوله { لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ … فَلْيَعْبُدُواْ } قريش 1 ـــ 3 ويجوز أن يكون المعنى وجئتكم بآية على أن الله ربي وربكم وما بينهما اعتراض .