Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة المشهورة الكثيرة { غُلِبَتِ } بضم الغين . وسيغلبون بفتح الياء . والأرض أرض العرب ، لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم . والمعنى غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام . أو أراد أرضهم ، على إنابة اللام مناب المضاف إليه ، أي في أدنى أرضهم إلى عدوّهم . قال مجاهد هي أرض الجزيرة ، وهي أدنى أرض الروم إلى فارس . وعن ابن عباس رضي الله عنهما الأردن وفلسطين . وقريء « في أداني الأرض » والبضع ما بين الثلاث إلى العشر عن الأصمعي . وقيل 836 احتربت الروم وفارس بين أذرعات وبصرى ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ الخبر مكة فشق على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل الكتاب ، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا أنتم والنصارى أهل الكتاب ، ونحن وفارس أميون ، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ، ولنظهرنّ نحن عليكم ، فنزلت . فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه لا يقرر الله أعينكم ، فوالله لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبيّ بن خلف كذبت يا أبا فصيل ، اجعل بيننا أجلاً أُناحبك عليه . والمناحبة المراهنة فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما ، وجعلا الأجل ثلاث سنين ، فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ومادّه في الأجل " فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين . ومات أُبيُّ من جرح رسول الله ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك عند رأس سبع سنين . وقيل 837 كان النصر يوم بدر للفريقين ، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبيّ ، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصدّق به . وهذه الآية من الآيات البينة الشاهدة على صحة النبوّة ، وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله . وقرىء « غلبهم » بسكون اللام . والغلب والغلب مصدران كالجلب والجلب ، والحلب والحلب . وقريء « غلبت الروم » بالفتح ، وسيغلبون ، بالضم . ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون في بضع سنين . وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم ، وإضافة غلبهم تختلف باختلاف القراءتين ، فهي في إحداهما إضافة المصدر إلى المفعول . وفي الثانية إضافته إلى الفاعل . ومثالهما { مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } البقرة 85 ، { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } الحج 47 . فإن قلت كيف صحت المناحبة وإنما هي قمار ؟ قلت عن قتادة رحمه الله تعالى أنه كان ذلك قبل تحريم القمار . ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد أن العقود الفاسدة من عقود الربا وغيرها جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار . وقد احتجا على صحة ذلك بما عقده أبو بكر بينه وبين أبيّ بن خلف { مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } أي في أوّل الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون ، كأنه قيل من قبل كونهم غالبين ، وهو وقت كونهم مغلوبين . ومن بعد كونهم مغلوبين ، وهو وقت كونهم غالبين ، يعني أن كونهم مغلوبين أوّلاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمر الله وقضائه { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } آل عمران 140 وقرىء « من قبل ومن بعد » على الجرّ من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه . كأنه قيل قبلاً وبعداً ، بمعنى أوّلاً وآخراً { وَيَوْمَئِذٍ } ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعده الله عزّ وجل من غلبتهم { يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ } وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له . وغيظ من شمت بهم من كفار مكة . وقيل نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم وقيل نصر الله أنه ولي بعض الظالمين بعضاً وفرق بين كلمهم ، حتى تفانوا وتناقصوا ، وفلّ هؤلاء شوكة هؤلاء وفي ذلك قوّة للإسلام . وعن أبي سعيد الخدري وافق ذلك يوم بدر ، وفي هذا اليوم نصر المؤمنين { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ينصر عليكم تارة وينصركم أخرى .