Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 18-20)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلْمُعَوّقِينَ } المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون كانوا يقولون { لإِخْوٰنِهِمْ } من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه ، فخلوهم و { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي قربوا أنفسكم إلينا . وهي لغة أهل الحجاز يسوّونَ فيه بين الواحد والجماعة . وأمّا تميم فيقولون هلمّ يا رجل ، وهلموا يا رجال ، وهو صوت سمي به فعل متعدّ مثل احضر وقرب { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ } الأنعام 15 { إِلاَّ قَلِيلاً } إلا اتياناً قليلاً يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم ، ولا تراهم يبارزون ويقاتلون إلا شيئاً قليلاً إذا اضطرّوا إليه ، كقوله { مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً } ، { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } في وقت الحرب أضناء بكم ، يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } في تلك الحالة كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذراً أو خوراً ولواذاً بك ، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نقلوا ذلك الشحّ وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير - وهو المال والغنيمة - ونسوا تلك الحالة الأولى ، واجترؤا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم ، وبمكاننا غلبتم عدوّكم وبنا نصرتم عليهم . ونصب { أَشِحَّةً } على الحال أو على الذمّ . وقرىء « أشحة » ، بالرفع . و « صلقوكم » بالصاد . فإن قلت هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط ؟ قلت لا ولكنه تعليم لمن عسى يظن أنّ الإيمان باللسان إيمان وإن لم يوطئه القلب ، وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجدي عليه ، فبين أنّ إيمانه ليس بإيمان ، وأنّ كل عمل يوجد منه باطل . وفيه بعث على إتقان المكلف أساس أمره وهو الإيمان الصحيح ، وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس ، وأنها مما يذهب عند الله هباء منثوراً . فإن قلت ما معنى قوله { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } وكل شيء عليه يسير ؟ قلت معناه أن أعمالهم حقيقة بالإحباط ، تدعو إليه الدواعي ، ولا يصرف عنه صارف { يَحْسَبُونَ } أنّ الأحزاب لم ينهزموا ، وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق إلى المدينة راجعين لما نزل بهم من الخوف الشديد ودخلهم من الجبن المفرط { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } كرّة ثانية . تمنوا لخوفهم مما منوا به هذه الكرّة أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الأعراب { يَسْـئَلُونَ } كل قادم منهم من جانب المدينة عن أخباركم وعما جرى عليكم { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال - لم يقاتلوا إلا تعلة رياء وسمعة . وقرىء « بدّي » على فعَّل جمع باد كغاز وغزَّي . وفي رواية صاحب الإقليد « بديّ » ، بوزن عديّ . ويساءلون ، أي يتساءلون . ومعناه يقول بعضهم لبعض ماذا سمعت ؟ ماذا بلغك ؟ أو يتساءلون الأعراب كما تقول رأيت الهلال وتراءيناه كان عليكم أن تواسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسكم فتوازروه وتثبتوا معه ، كما آساكم بنفسه في الصبر على الجهاد والثبات في مرحى الحرب ، حتى كسرت رباعيته يوم أحد وشجّ وجهه .