Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 4-5)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما جمع الله قلبين في جوف ، ولا زوجية وأمومة في أمرأه ، ولا بنوّة ودعوة في رجل . والمعنى أن الله سبحانه كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين ، لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليها ، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك ، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً . عالماً ظاناً . موقناً شاكاً في حالة واحدة - لم ير أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أُمًّا لرجل زوجاً له لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل ، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوكة وهما حالتان متنافيتان ، وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل وابنا له لأنّ البنوّة أصالة في النسب وعراقة فيه ، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير ، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل ، وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبي صغيراً . وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون . فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة ، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له ، وطلبه أبوه وعمه ، فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتقه . وكانوا يقولون زيد بن محمد ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، وقوله { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ } الأحزاب 40 وقيل كان أبو معمر رجلاً من أحفظ العرب وأرواهم ، فقيل له ذو القلبين ، وقيل هو جميل بن أسد الفهري . وكان يقول إن لي قلبين . أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد ، فروي أنه انهزم يوم بدر ، فمرّ بأبي سفيان وهو معلق أحدى نعليه بيده والأخرى في رجله . فقال له ما فعل الناس ؟ فقال هم ما بين مقتول وهارب . فقال له ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك ؟ فقال ما ظننت إلا أنهما في رجليّ ، فأكذب الله قوله وقولهم ، وضربه مثلاً في الظهار والتنبي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان فأكذبهم الله . وقيل سها في صلاته ، فقالت اليهود له قلبان قلب مع أصحابه ، وقلب معكم . وعن الحسن نزلت في أن الواحد يقول نفس تأمرني ونفس تنهاني . والتنكير في رجل ، وإدخال من الاستغراقية على قلبين تأكيدان لما قصد من المعنى ، كأنه قال ما جعل الله لأمة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه . فإن قلت أي فائدة في ذكر الجوف ؟ قلت الفائدة فيه كالفائدة في قوله { ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } الحج 46 وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر والتجلي للمدلول عليه ، لأنه إذا سمع به صور لنفسه جوفاً يشتمل على قلبين ، فكان أسرع إلى الإنكار . وقرىء « اللايىء » ، بياء وهمزة مكسورتين ، و « اللائي » بياء ساكنة بعد الهمزة وتظاهرون من ظاهر . وتظاهرون . من اظاهر ، بمعنى تظاهر . وتظهرون من اظهر ، بمعنى تظهر . وتظهرون من ظهر ، بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد . وتظهرون من ظهر ، بلفظ فعل من الظهور . ومعنى ظاهر من امرأته قال لها أنت عليّ كظهر أمي . ونحوه في العبارة عن اللفظ لبى المحرم ، إذا قال لبيك . وأفف الرجل إذا قال أُف وأخوات لهنّ . فإن قلت فما وجه تعديته وأخواته بمن ؟ قلت كان الظهار طلاقاً عند أهل الجاهلية . فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة ، فكان قولهم تظاهر منها تباعد منها بجهة الظهار ، وتظهر منها تحرز منها . وظاهر منها حاذر منها ، وظهر منها وحش منها . وظهر منها خلص منها . ونظيره آلى من امرأته ، لما ضمن معنى التباعد منها عدّي بمن ، وإلا فآلى في أصله الذي هو بمعنى حلف وأقسم ، ليس هذا بحكمه . فإن قلت ما معنى قولهم أنت عليّ كظهر أمي ؟ قلت أرادوا أن يقولوا أنت عليّ حرام كبطن أمي . فكنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج ، وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن . ومنه حديث عمر رضي الله عنه يجيء به أحدهم على عمود بطنه أراد على ظهره . ووجه آخر وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرّماً عندهم محظوراً . وكان أهل المدينة يقولون إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول ، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه ، شبهها بالظهر ثم لم يقنع بذلك حتى جعله ظهر أمّه فلم يترك . فإن قلت الدعيّ فعيل بمعنى مفعول ، وهو الذي يُدعى ولداً فما له جمع على افعلاء ، وبابه ما كان منه بمعنى فاعل ، كتقى وأتقياء ، وشقيّ وأشقياء ، ولا يكون ذلك في نحو رمى وسمى . قلت إن شذوذه عن القياس كشذوذ قتلاء وأسراء ، والطريق في مثل ذلك التشبيه اللفظي { ذٰلِكُمْ } النسب هو { قَوْلُكُم بِأَفْوٰهِكُمْ } هذا ابني لا غير من غير أن يواطئه اعتقاد لصحته وكونه حقاً . والله عز وجل لا يقول إلا ما هو حق ظاهره وباطنه ، ولا يهدي إلا سبيل الحق . ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق ، وهو قوله { ٱدْعُوهُمْ لأبَائِهِمْ } وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل ، وفي فصل هذه الجمل ووصلها من الحسن والفصاحة مالا يغني على عالم بطرق النظم . وقرأ قتادة « وهو الذي يهدي السبيل » . وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه جلد الرجل وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال فلان ابن فلان { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ } لهم آباء تنسبونهم إليهم { فـــ } ــهم { فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدّينِ } وأولياؤكم في الدين فقولوا هذا أخي وهذا مولاي ، ويا أخي ، ويا مولاي يريد الأخوّة في الدين والولاية فيه { مَّا تَعَمَّدَتْ } في محل الجرّ عطفاً على ما أخطأتم . ويجوز أن يكون مرتفعاً على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح . والمعنى لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي ، ولكن الإثم فيما تعمدتموه بعد النهي . أو لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بنيّ على سبيل الخطإ وسبق اللسان ، ولكن إذا قلتموه متعمدين . ويجوز أن يراد العفو عن الخطإ دون العمد على طريق العموم ، كقوله عليه الصلاة والسلام 873 " ما أخشَى عليكُم الخطأَ ولكنْ أخشَى عليْكُم العمدَ " وقوله عليه الصلاة والسلام 874 " وُضع عن أمّتي الخطأُ والنسيانْ وما أكرهُوا عليه " ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده . فإن قلت فإذا وجد التبني فما حكمه ؟ قلت إذا كان المتبني مجهول النسب وأصغر سناً من المتبنى ثبت نسبه منه ، وإن كان عبداً له عتق مع ثبوت النسب ، وإن كان لا يولد مثله لمثله لم يثبت النسب ، ولكنه يعتق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعند صاحبيه لا يعتق . وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وإن كان عبداً عتق { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } لعفوه عن الخطأ وعن العمد إذا تاب العامد .