Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 10-13)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَٰجِبَالُ } إمّا أن يكون بدلاً من { فَضْلاً } ، وإمّا من { ءاتَيْنَا } بتقدير قولنا يا جبال . أو قلنا يا جبال . وقرىء « أوّبي » و « أوبي » من التأويب . والأوب أي رجعي معه التسبيح . أو ارجعى معه في التسبيح كلما رجع فيه لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه ومعنى تسبيح الجبال أنّ الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحاً كما خلق الكلام في الشجرة ، فيسمع منها ما يسمع من المسبح معجزة لداود . وقيل كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين ، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها . وقرىء « والطير » ، رفعاً ونصباً ، وعطفاً على لفظ الجبال ومحلها . وجوّزوا أن ينتصب مفعولاً معه ، وأن يعطف على فضلاً ، بمعنى وسخرنا له الطير . فإن قلت أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال { ءاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } تأويب الجبال معه والطير ؟ قلت كم بينهما . ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلٰهية ، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذي إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا ، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت ، إلا وهو منقاد لمشيئته ، غير ممتنع على إرادته { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } وجعلناه له ليناً كالطين والعجين والشمع ، يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة . وقيل لأن الحديد في يده لما أوتي من شدّة القوّة أن ٱعمل سابغات وقرىء « صابغات » وهي الدروع الواسعة الضافية ، وهو أوّل من اتخذها وكانت قبل صفائح . وقيل كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ، ويتصدّق على الفقراء . وقيل كان يخرج حين ملك بني إسرائيل متنكراً ، فيسأل الناس عن نفسه ، ويقول لهم ما تقولون في داود ؟ فيثنون عليه ، فقيض الله له ملكاً في صورة آدمي فسأله على عادته ، فقال نعم الرجل لولا خصلة فيه فريع داود ، فسأله ؟ فقال لولا أنه يطعم عياله من بيت المال ، فسأل عند ذلك ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال ، فعلمه صنعة الدروع { وَقَدَّرَ في ٱلسَّرْدِ } لا تجعل المسامير دقاقاً فتقلق ، ولا غلاظاً فتفصم الحلق . والسرد نسج الدروع { وَٱعْمَلُواْ } الضمير لدواد وأهله { و } سخرنا { لِسْلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ } فيمن نصب ولسليمان الريح مسخرة ، فيمن رفع ، وكذلك فيمن قرأ الرياح ، بالرفع { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } جريها بالغداة مسيرة شهر ، وجريها بالعشي كذلك . وقرىء « غدوتها وروحتها » . وعن الحسن رضي الله عنه كان يغدو فيقيل باصطخر ، ثم يروح فيكون رواحه بكابل . ويحكى أنّ بعضهم رأي مكتوباً في منزل بناحية دجلة كتبه بعض أصحاب سليمان نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه ، غدونا من اصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه فبائتون بالشام إن شاء الله . القطر النحاس المذاب من القطران . فإن قلت ماذا أراد بعين القطر ؟ قلت أراد بها معدن النحاس ولكنه أساله كما ألان الحديد لداود ، فنبع كما ينبع الماء من العين فلذلك سماه عين القطر باسم ما آل إليه ، كما قال { إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا } يوسف 36 وقيل كان يسبل في الشهر ثلاثة أيام { بِإِذْنِ رَبّهِ } بأمره { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ } ومن يعدل { عَنْ أَمْرِنَا } الذي أمرناه به من طاعة سليمان . وقرىء « يزغ » من أزاغه . وعذاب السعير عذاب الآخرة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن السدي كان معه ملك بيده سوط من نار ، كلما استعصى عليه ضربه من حيث لا يراه الجني . المحاريب المساكن والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال سميت محاريب لأنه يحامي عليها ويذب عنها . وقيل هي المساجد والتماثيل صور الملائكة والنبيين والصالحين ، كانت تعمل فيه المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم . فإن قلت كيف استجاز سليمان عليه السلام عمل التصاوير ؟ قلت هذا مما يجوز أن تختلف في الشرائع لأنه ليس من مقبحات العقل كالظلم والكذب ، وعن أبي العالية لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرّماً . ويجوز أن يكون غير صور الحيوان كصور الأشجار وغيرها لأنّ التمثال كل ما صوّر على مثل صورة غيره من حيوان وغير حيوان . أو تصوّر محذوفة الرؤوس . وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ، ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما ، وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما . والجوابي الحياض الكبار ، قال @ تَرُوحُ عَلَى آل الْمُحَلِّقِ جَفْنَةٌ كَجَابِيَةِ السَّيْحِ العِرَاقِيِّ تَفْهَقُ @@ لأنّ الماء يجبى فيها ، أي يجمع . جعل الفعل لها مجازاً وهي من الصفات الغالية كالدابة . وقيل كان يقعد على الجفنة ألف رجل . وقرىء بحذف الياء اكتفاء بالكسرة . كقوله تعالى { يَوْمَ يدعٱلدَّاعِ } القمر 6 . { رَّٰسِيَٰتٍ } ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها { ٱعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُودَ } حكاية ما قيل لآل داود . وانتصب { شُكْراً } على أنه مفعول له ، أي اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه . وفيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدّى على طريق الشكر . أو على الحال ، أي شاكرين . أو على تقدير اشكروا شكرا ، لأن اعملوا فيه معنى اشكروا ، من حيث إنّ العمل للمنعم شكر له . ويجوز أن ينتصب باعملوا مفعولاً به . ومعناه إنا سخّرنا لكم الجنّ يعملون لكم ما شئتم ، فاعملوا أنتم شكراً على طريق المشاكلة و { ٱلشَّكُورُ } المتوفر على أداء الشكر ، الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه ، اعتقاداً واعترافاً وكدحاً ، وأكثر أوقاته . وعن ابن عباس رضي الله عنهما من يشكر على أحواله كلها . وعن السدي من يشكر على الشكر . وقيل من يرى عجزه عن الشكر . وعن داود أنه جزأ ساعات الليل والنهار على أهله ، فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلاّ وإنسان من آل داود قائم يصلي . وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول اللَّهم اجعلني من القليل ، فقال عمر ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل إني سمعت الله يقول { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل ، فقال عمر كل الناس أعلم من عمر .