Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 14-14)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرىء « فلما قضى عليه الموت » ودابة الأرض الأرضة ، وهي الدويبة التي يقال لها السرفة والأرض فعلها ، فأضيفت إليه . يقال أرضت الخشبة أرضاً . إذا أكلتها الأرضة . وقرىء بفتح الراء ، من أرضت الخشبة أرضاً ، وهو من باب فعلته ففعل ، كقولك أكلت القوادح الأسنان أكلاً . فأكلت أكلاً والمنسأة العصا . لأنه ينسأ بها ، أي يطرد ويؤخر وقرىء بفتح الميم وبتخفيف الهمزة قلباً وحذفاً وكلاهما ليس بقياس ، ولكن إخراج الهمزة بين بين هو التخفيف القياسي . ومنساءته على مفعالة ، كما يقال في الميضأة ميضاءة . ومن سأته ، أي من طرف عصاه ، سميت بسأة القوس على الاستعارة . وفيها لغتان ، كقولهم قحة وقحة ، وقرىء « أكلت منسأته » { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } من تبين الشيء إذا ظهر وتجلّى . و { أَن } مع صلتها بدل من الجن بدل الاشتمال ، كقولك تبين زيد جهله والظهور له في المعنى ، أي ظهر أنّ الجن { لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ } أو علم الجن كلهم علماً بيناً - بعد التباس الأمر على عامّتهم وضعفتهم وتوهّمهم - أنّ كبارهم يصدّقون في ادعائهم علم الغيب أو علم المدّعون علم الغيب منهم عجزهم ، وأنهم لا يعلمون الغيب وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم ، وإنما أريد التهكم بهم كما تتهكم بمدّعي الباطل إذا دحضت حجته وظهر إبطاله بقولك هل تبينت أنك مبطل . وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متبيناً . وقرىء « تبينت الجن » على البناء للمفعول ، على أنّ المتبين في المعنى هو { أَن } مع ما في صلتها ، لأنه بدل . وفي قراءة أبيّ تبينت الإنس . وعن الضحاك تباينت الأنس بمعنى تعارفت وتعالمت . والضمير في { كَانُواْ } للجن في قوله { وَمِنَ ٱلْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ } أي علمت الإنس أن لو كان الجن يصدقون فيما يوهمونهم من علمهم الغيب ما لبثوا . وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه « تبينت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب » . روي أنه كان من عادة سليمان عليه السلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال ، فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله ، فيسألها لأي شيء أنت ؟ فتقول لكذا ، حتى أصبح ذات يوم فرأى الخروبة ، فسألها ، فقالت نبت لخراب هذا المسجد فقال ما كان الله ليخربه وأنا حيّ ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ، فنزعها وغرسها في حائط له وقال اللَّهم عم عن الجن موتي ، حتى يعلم الناس أنهم لا يعلمون الغيب . لأنهم كانوا يسترقون السمع ويموّهون على الإنس أنهم يعلمون الغيب ، وقال لملك الموت إذا أمرت بي فأعلمني ، فقال أمرت بك وقد بقيت من عمرك ساعة فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب ، فقام يصلي متكئاً على عصاه ، فقبض روحه وهو متكىء عليها وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه أينما صلّى ، فلم يكن شيطان ينظر إليه في صلاته إلاّ احترق فمرّ به شيطان فلم يسمع صوته ، ثم رجع فلم يسمع ، فنظر فإذا سليمان قد خرّ ميتاً ، ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة ، فأرادوا أن يعرفوا وقت موته ، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقداراً ، فحسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة ، وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حياً ، فأيقن الناس أنهم لو علموا الغيب لما لبثوا في العذاب سنة ، وروي أنّ داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام ، فمات قبل أن يتمه ، فوصى به إلى سليمان ، فأمر الشياطين بإتمامه ، فلما بقي من عمره سنة سأل أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ، ليبطل دعواهم علم الغيب . روي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه ، فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعدُ أن يدنوا منه ، وكان عمر سليمان ثلاثاً وخمسين سنة ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، فبقي في ملكه أربعين سنة ، وابتدأ بناء بيت المقدس لأربع مضين من ملكه .