Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-17)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرىء { لِسَبَإٍ } بالصرف ومنعه ، وقلب الهمزة ألفاً . ومسكنهم بفتح الكاف وكسرها ، وهو موضع سكناهم ، وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها ، أو مسكن كل واحد منهم . وقرىء « مساكنهم » و { جَنَّتَانِ } بدل من آية . أو خبر مبتدإ محذوف ، تقديره الآية جنتان . وفي الرفع معنى المدح ، تدلّ عليه قراءة من قرأ « جنتين » ، بالنصب على المدح . فإن قلت ما معنى كونهما ؟ آية ، قلت لم يجعل الجنتين في أنفسهما آية ، وإنما جعل قصتهما ، وأنّ أهلهما أعرضوا عن شكر الله تعالى عليهما فخربهما ، وأبدلهم عنهما الخمط والأثل آية ، وعبرة لهم ، ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم . ويجوز أن تجعلهما آية ، أي علامة دالة على الله ، وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره ، فإن قلت كيف عظم الله جنتي أهل سبأ وجعلهما آية ، ورب قرية من قريات العراق يحتف بها من الجنان ما شئت ؟ قلت لم يرد بستانين اثنين فحسب ، وإنما أراد جماعتين من البساتين جماعة عن يمين بلدهم ، وأخرى عن شمالها ، وكل واحد من الجماعتين في تقاربها وتضامها . كأنها جنة واحدة ، كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها ، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ، كما قال جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب { كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ } إما حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم ، أو لما قال لهم لسان الحال ، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك ، ولما قال { كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ } { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } أتبعه قوله { بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } يعني هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة ، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره . وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانت أخصب البلاد وأطيبها تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر ، فيمتلىء المكتل بما يتساقط فيه من الثمر { طَيّبَةً } لم تكن سبخة . وقيل لم يكن فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية . وقرىء « بلدة طيبة ورباً غفوراً » بالنصب على المدح . وعن ثعلب معناه اسكن واعبد { ٱلْعَرِمِ } الجرذ الذي نقب عليهم السكر ، ضربت لهم بلقيس الملكة بسدّ ما بين الجبلين بالصخر والقار ، فحقنت به ماء العيون والأمطار ، وتركت فيه خروقاً على مقدار ما يحتاجون إليه من سقيهم ، فلما طغوا قيل بعث الله إليهم ثلاثة عشر نبياً يدعونهم إلى الله ويذكرونهم نعمته عليهم فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة سلط الله على سدّهم الخُلد فنقبه من أسفله فغرّقهم . وقيل العرم جمع عرمة ، وهي الحجارة المركومة . ويقال للكدس من الطعام ، عرمة والمراد المسناة التي عقدوها سكراً وقيل العرم اسم الوادي ، وقيل العرم المطر الشديد . وقرىء « العرم » بسكون الراء . وعن الضحاك كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم . وقرىء « أكل » بالضم والسكون ، وبالتنوين والإضافة ، والأكل الثمر . والخمط شجر الأراك وعن أبي عبيدة كل شجر ذي شوك . وقال الزجاج كل نبت أخذ طعماً من مرارة ، حتى لا يمكن أكله . والأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه وأجود عوداً . ووجه من نون أن أصله ذواتي أكل أكل خمط . فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتي أكل بشع . ومن أضاف وهو أبو عمر وحده ، فلأن أكل الخمط في معنى البرير ، كأنه قيل ذواتي برير . والأثل والسدر معطوفان على أكل ، لا على خمط لأن الأثل لا أكل له . وقرىء « وأثلاً » وشيئاً . بالنصب عطفاً على جنتين . وتسمية البدل جنتين ، لأجل المشاكلة و فيه ضرب من التهكم . وعن الحسن رحمه الله قلل السدر لأنه أكرم ما بدلوا . وقرىء « وهل يجازي » و « هل نجازي » بالنون . و « هل يجازي » والفاعل الله وحده . و « هل يجزي » والمعنى أن مثل هذا الجزاء لا يستحقه إلاّ الكافر ، وهو العقاب العاجل ، وقيل المؤمن تكفر سيآته بحسناته ، والكافر يحبط عمله فيجازى بجميع ما عمله من السوء ، ووجه آخر وهو أن الجزاء عام لكل مكافأة ، يستعمل تارة في معنى المعاقبة ، وأخرى في معنى الإثابة ، فلما استعمل في معنى المعاقبة في قوله { جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ } بمعنى عاقبناهم بكفرهم . قيل { وهل يجازى إلا الكفور } بمعنى وهل يعاقب ؟ وهو الوجه الصحيح وليس لقائل أن يقول لم قيل وهل يجازى إلاّ الكفور ، على اختصاص الكفور بالجزاء ، والجزاء عام للكافر والمؤمن ، لأنه لم يرد الجزاء العام ، وإنما أراد الخاص وهو العقاب ، بل لا يجوز أن يراد العموم وليس بموضعه . ألا ترى أنك لو قلت جزيناهم بما كفروا ، وهل يجازى إلاّ الكافر والمؤمن لم يصحّ ولم يسد كلاماً ، فتبين أن ما يتخيل من السؤال مضمحل ، وأن الصحيح الذي لا يجوز غيره ما جاء عليه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .